النهار على درج ليلكي
ت ر ن ح
والشمس لم يبق منها سوى رشفة واحدة
هبط الليل, و كنت اجلس في غرفتي احدق في جدرانها, كالعادة, مستأنسا بمصباح الكهرباء الذي بدا نوره شحيحا وخائفا من ليل اطبق على قريتنا بضراوة عدو, وكاد هذا السواد يفقدني طعم النهار الطويل الذي رشفته بتأن وانا اكتب ما سيأتي عن صديقي الشاعر او له.
صديقي الشاعر الذي يعاني من فرط حساسيته نحو الذكرى والجبال ومعاقرة ثلاثة صناديق من التبغ يوميا . تنهد قليلا ولمعت عيناه ثم قال لي بلهجة لا تخلو من حنين: فلنسر في القرية لقد اشتقتها.وقريتنا تدعى القليعات لها شمس تختلف عن بقية الشموس, أهلها سمر, وأشجارها خضراء كقلب شاب في مقتبل الحب. وقريتنا أيضا تحظى بجبال تنبت زعترا ودحنونا وذاكرة حية لمقاتلين قضوا وفلاحين يحبون الارض والمجارف, نهارها مختلف وجهه برتقالي كالبيارات وقامته عالية كاشجار الكينا يوزع الضوء بحب , ويفرح لولادة الاطفال ونضوج الثمر. وبالرغم من حرارته يجبرك نهار قريتنا على المشي وتنشق رائحة الحياة التي تفوح من النبات البري واقوايل العجائز اللواتي يتربعن امام البيوت, تمشي في طرقاتها فتختلط خطاك بتفاصيل الأرض, بالسماء الصافية, بحالة من الرعشة والتاهب والتصاق احلامك بالوعد وحيرة لا تدركها. يتقاذف رأسك أفكار, ذكريات, وجع, وصور تتبرج في فناء العين كي تحسن التقاطه, فيسيل تجوالك قطرات تلامس وجهك وتذوب في القلب وبين هذا وذاك ثمة قبلات تتخذ طريقا في حكاية ما وانت ...
"النهار على درج ليلكي
ت ر ن ح
والشمس لم يبق منها سوى رشفة واحدة"
قال ثم اكمل السير. وبدت خطواته تتفحص طرق القرية الترابية والتي يترامى على اطرافها المرار و الخرفيش مستذكرا مع كل خطوة طعم الزمن القديم ومغامرات حيكت بطفولة لذيذة في مساحات الجبال .كنت افكر حينها ان اقول شيئا له ان ابدي اعجابي بما قال او ان اخبره بشيء قد اغفله غيابه المتواصل عن هذا المكان فالغياب يصيبنا احيانا بغفوة قسرية لا نصحو منها الى حين ننام في حضن بيوتنا فقط. كلماته اشعرتني بحالة من التوتر والقلق وافقدتني بذلك كل الحروف وترتيب الجمل فتركْتُنا نمشي حينها........... وبعد ان رحل بصحبة دمعة تقاسمناها سويا حين امتطى سيارته بخيبة واضحة وحنين بقيت ارتب له هذه الكلمات عله يقرؤها يوما :
النهار الذي ترنح على درج ليلكي تهاوى
لا خيل تسرج في الصباح ظهورها ولا قمر يضيء ما تبقى من خطى عاشقين ملا السير. الأرض تخجل كلما فضحت شمس القليعات عريها, والليل يحل ثقيلا كفكرة جائعة لا تجد راسا يملؤها. نهارنا اليوم متهالكا يجمع تفاصيل يوم بعد اخر تفاصيل تحتمل قلقا واضحا, وذاكرة خصبة, وحبَلا متورما بخيبات تتوالى تباعا. النهار الآن يا صديقي يبدو متلعثما بحكاياته عن دروب المسافرين نحو الغروب, نحو جبال زرقاء تخفي ملامح الجد والجدة, رائحة الخيل, إسطبل يتذكر لعب ابي حين كان فتيا, ضحك الأطفال المبتهجين بالمطر, عبوات "الهاون" التي استخدمت لدق القهوة, خبز الطابون, مذراة القمح , ووجع السائرين عنوة مثقلين بثياب رثة واحلام رجوع.
مثل جرح عميق في الراس يتهاوى نهارنا الآن. جرح يمتد منذ ولادة التلال وقصص العاشقين الى ان ينتهي قبيل افول القمر ونفاد ماء الحرف . النهار وبكل شموسه وإشراقه, بكل الضوء الذي يرشه على مناجل الحصادين, على ذاكرة البرتقال والنهر, وحكايات الضيوف التي لم تبرح خيولهم ساحة جدي. أجهش بالبكاء حين راى المسافرين ذاتهم ينحدرون نحو الغروب ويتركونه حاملين أحلامهم والتوابيت, ناشرين الخيبة وضيق اليد قبل ان يموتوا قريبا منه دون ان تصبح احلامهم حقيقة, وقبل أن يغيب هو هناك عند الجبال وحيدا دون اهل.
النهار اذًا يا صديقي يتساقط قبل ترنحه ويخرج صوت حذائه الصبحي ووجه الدافىء ممزوجا في ليل اطبق للتو دون ان يترنح او يسقط .
اليس كذلك ؟
ت ر ن ح
والشمس لم يبق منها سوى رشفة واحدة
علي العامري
النهار
هبط الليل, و كنت اجلس في غرفتي احدق في جدرانها, كالعادة, مستأنسا بمصباح الكهرباء الذي بدا نوره شحيحا وخائفا من ليل اطبق على قريتنا بضراوة عدو, وكاد هذا السواد يفقدني طعم النهار الطويل الذي رشفته بتأن وانا اكتب ما سيأتي عن صديقي الشاعر او له.
صديقي الشاعر الذي يعاني من فرط حساسيته نحو الذكرى والجبال ومعاقرة ثلاثة صناديق من التبغ يوميا . تنهد قليلا ولمعت عيناه ثم قال لي بلهجة لا تخلو من حنين: فلنسر في القرية لقد اشتقتها.وقريتنا تدعى القليعات لها شمس تختلف عن بقية الشموس, أهلها سمر, وأشجارها خضراء كقلب شاب في مقتبل الحب. وقريتنا أيضا تحظى بجبال تنبت زعترا ودحنونا وذاكرة حية لمقاتلين قضوا وفلاحين يحبون الارض والمجارف, نهارها مختلف وجهه برتقالي كالبيارات وقامته عالية كاشجار الكينا يوزع الضوء بحب , ويفرح لولادة الاطفال ونضوج الثمر. وبالرغم من حرارته يجبرك نهار قريتنا على المشي وتنشق رائحة الحياة التي تفوح من النبات البري واقوايل العجائز اللواتي يتربعن امام البيوت, تمشي في طرقاتها فتختلط خطاك بتفاصيل الأرض, بالسماء الصافية, بحالة من الرعشة والتاهب والتصاق احلامك بالوعد وحيرة لا تدركها. يتقاذف رأسك أفكار, ذكريات, وجع, وصور تتبرج في فناء العين كي تحسن التقاطه, فيسيل تجوالك قطرات تلامس وجهك وتذوب في القلب وبين هذا وذاك ثمة قبلات تتخذ طريقا في حكاية ما وانت ...
"النهار على درج ليلكي
ت ر ن ح
والشمس لم يبق منها سوى رشفة واحدة"
قال ثم اكمل السير. وبدت خطواته تتفحص طرق القرية الترابية والتي يترامى على اطرافها المرار و الخرفيش مستذكرا مع كل خطوة طعم الزمن القديم ومغامرات حيكت بطفولة لذيذة في مساحات الجبال .كنت افكر حينها ان اقول شيئا له ان ابدي اعجابي بما قال او ان اخبره بشيء قد اغفله غيابه المتواصل عن هذا المكان فالغياب يصيبنا احيانا بغفوة قسرية لا نصحو منها الى حين ننام في حضن بيوتنا فقط. كلماته اشعرتني بحالة من التوتر والقلق وافقدتني بذلك كل الحروف وترتيب الجمل فتركْتُنا نمشي حينها........... وبعد ان رحل بصحبة دمعة تقاسمناها سويا حين امتطى سيارته بخيبة واضحة وحنين بقيت ارتب له هذه الكلمات عله يقرؤها يوما :
النهار الذي ترنح على درج ليلكي تهاوى
لا خيل تسرج في الصباح ظهورها ولا قمر يضيء ما تبقى من خطى عاشقين ملا السير. الأرض تخجل كلما فضحت شمس القليعات عريها, والليل يحل ثقيلا كفكرة جائعة لا تجد راسا يملؤها. نهارنا اليوم متهالكا يجمع تفاصيل يوم بعد اخر تفاصيل تحتمل قلقا واضحا, وذاكرة خصبة, وحبَلا متورما بخيبات تتوالى تباعا. النهار الآن يا صديقي يبدو متلعثما بحكاياته عن دروب المسافرين نحو الغروب, نحو جبال زرقاء تخفي ملامح الجد والجدة, رائحة الخيل, إسطبل يتذكر لعب ابي حين كان فتيا, ضحك الأطفال المبتهجين بالمطر, عبوات "الهاون" التي استخدمت لدق القهوة, خبز الطابون, مذراة القمح , ووجع السائرين عنوة مثقلين بثياب رثة واحلام رجوع.
مثل جرح عميق في الراس يتهاوى نهارنا الآن. جرح يمتد منذ ولادة التلال وقصص العاشقين الى ان ينتهي قبيل افول القمر ونفاد ماء الحرف . النهار وبكل شموسه وإشراقه, بكل الضوء الذي يرشه على مناجل الحصادين, على ذاكرة البرتقال والنهر, وحكايات الضيوف التي لم تبرح خيولهم ساحة جدي. أجهش بالبكاء حين راى المسافرين ذاتهم ينحدرون نحو الغروب ويتركونه حاملين أحلامهم والتوابيت, ناشرين الخيبة وضيق اليد قبل ان يموتوا قريبا منه دون ان تصبح احلامهم حقيقة, وقبل أن يغيب هو هناك عند الجبال وحيدا دون اهل.
النهار اذًا يا صديقي يتساقط قبل ترنحه ويخرج صوت حذائه الصبحي ووجه الدافىء ممزوجا في ليل اطبق للتو دون ان يترنح او يسقط .
اليس كذلك ؟