الرئيسية
أحدث الصور
من طرف وسط العاصمة يودع بائع الفستق
ورحل بائع الفستق الشهير ''أبو احمد''بعد حضوره لأكثر من نصف قرن في ذاكرة عمان .
كان قاصدا الحج وشد الرحال من نيروبي في نيجيريا ،فأنتهى به المقام الى وسط العاصمة عمان ، ليؤرخ للمدينة ويحبها ،فتبادله حبا بحب ويصبح أحد اهم معالمها الانسانية ،وشاهدا على تطور عمرانها .
هو عمر محمد حمزة النيروبي الملقب بـ ''ابو احمد'' والشهير بفستقه الساخن ،والداخون الصغير يعلو البسطة ،فتعبق روائح التحميص في المكان شاهدة على ستين عاما قضاها في بيع الفستق و''البزر'' بلونيه الابيض والاسود حيث شكل على مدار سنوات خلت احد ابرز المعالم الرئيسة لزوار عمان القديمة حيث عرفه كل الاردنيين والسياح العرب والاجانب منذ سنوات طويلة.
حظي الفقيد ابو احمد عاشق عمان باهتمام واسع من الصحافة المحلية والاجنبية كما احتل مساحات في اذهان العديد من مرتادي وسط عمان بالذات في الشارع الشهير شارع الملك فيصل عند مدخل سوق الصاغة والذهب.
كان يقف خلف بسطته الصغيرة كل يوم طالبا الرزق في بيع الفستق الطازج والساخن طوال السنة صيفا وشتاء ، و قبل اكثر من عام كانت جلالة الملكة رانيا العبدالله تتجول في وسط عمان ،سيرا على الاقدام ،فوجدتها فرصة طيبة لتتوقف عند بسطة ''بائع الفستق السوداني '' وتسلم عليه وتسأله عن أحواله ، وكانت فرصة غامرة لأبي احمد الذي تحدث عن الزيارة لعدة شهور لكل من يعرفه ولا يعرفه حتى ان وسائل الاعلام اشارت اليها بالكلمة والصورة.
عمر النيجري كان مقصدا لعدد من الزبائن القدامى والحديثين ممن يأتون من مناطق بعيدة خصيصا الى شارع فيصل لشراء هذا الفستق الخاص قادمين من الشميساني وتلاع العلي وعبدون. حتى من مدن اخرى كالكرك والزرقاء وعجلون واربد والسلط،.. وكذلك المغتربين في ايام الصيف
اما سواح عمان من الاجانب فان من اكثر المشاهد والاماكن التراثية التي يندهشون بها ويقومون بالتقاط الصور لها هي مشهد ابو احمد مع فستقه وهو يمارس البيع، ثم العديد منهم يطلبون التقاط الصور التذكارية معه حين يقفون بجانبه وبجانب محمصة الفستق الصغيرة جدا ليقوم زملاؤهم بالتقاط العديد من الصور التذكارية.
ابو احمد تحدث قبل وفاته عن تاريخ حياته في قلب العاصمة عمان وقال احتضنتي عمان بين ذراعيها شابا غريبا منذ كان عمري 19 عاما كأم حانية، فألفتها واحببتها، فبادلتني الحب بالحب، فكانت لي الموطن والاهل والاحبة''.
ويقول'' استقر بي المطاف في عمان التي كانت انذاك مدينة صغيرة - لكنك سرعان ما تألفها - عملت في البداية حارسا لموقف سيارات لمدة عام ولم ارتح في هذا العمل، ونصحني بعض الاصدقاء ببيع الفستق، فذهبت الى محددة لتفصيل عربة تحمل ''محمصة'' الفستق الصغيرة، نصبتها على ناصية دخلة سوق الذهب في شارع الملك فيصل.
ومع أن سوق الذهب في أي مدينة تحظى بشهرة كبيرة وتكون عادة معروفة للجميع، فإن الشيخ النيجيري العجوز الذي يقف في واجهة سوق ذهب العاصمة الأردنية عمان منذ أكثر من خمسين سنة، ربما يحظى بشهرة أكبر ،وخصوصا أن من يقصد السوق لشراء الذهب أو بيعه لا بد له من تناول الفول السوداني الساخن المميز الذي يعده الحاج عمر بطريقته الخاصة في عربته الصغيرة.
ومع مرور السنين أصبح المكان الذي يقف فيه ''أبو أحمد'' معلما وعنوانا للمارة والقاصدين وسط عمان. وصار البعض يتواعد مع صديقه بجانب ''بائع الفستق'' (أي الفول السوداني) عند الباحة الصغيرة جهة الشابسوغ الملحقة بمدخل سوق الذهب بوسط البلد، ويعرفها الناس هناك من خلال الإشارة إلى أشهر بائع فول سوداني أسمر البشرة، يخرج إلى الباحة قبيل شروق شمس يوميا، ويمكث هناك حتى الغروب.
الحاج عمر أبو أحمد قليل الكلام ، يكفي ذكر أوصافه ومهنته لبيان تفاصيل الطريق ذهابا وإيابا، وفور الوصول إليه وطلب بعض مكسراته التي يضعها في أكياس ورقية بنية اللون ترأف بالبيئة، يطلق ابتسامة دون أن يهمس أو ينادي على بضاعته، مكتفيا بهز رأسه شاكرا.
وعلى مدى نصف قرن أسس له دائرة واسعة من الزبائن، وغدا أشهر بائع مكسرات عرفه الأردنيون. المارة يألفون هيئته الصغيرة وحركاته المقتضبة في أثناء تقليبه الفول السوداني، بأصابع مبتورة يعلق عليها القشر الناعم، ويملأ الكيس البني الصغير، ثم يزيد حبات أخرى فوق الميزان، منتظرا ابتسامة رضا من الزبون.
ابو احمد اب لسبعة أبناء ومتزوج من مصرية، استطاع تربية اولاده وتعليمهم حتى المرحلة الجامعية، وأحدهم درس الهندسة في القاهرة، وأصغرهم يحاول مساندته أحيانا ، وسط حرص على تعليمهم من ربحه البسيط وادخاره اليومي، وتقليص احتياجاته هو وشريكة حياته.
ابو احمد رقد على سرير الشفاء في منزله المتواضع في جبل الجوفة على اطراف وسط البلد ، بعد ان خضع لعمليات جراحية في ساقه اليسرى وحوضه ، جراء حادث الدهس الذي تعرض له مؤخرا في شارع فيصل في وسط البلد وها هو قد رحل وبقيت عربته الصغيرة علي واجهة احد ازقة وسط البلد حيث قامت امانة عمان مؤخرا بتحديثها ببسطة جميلة التصميم، ارفقتها بشرح وايضاح عن حياة ابو احمد منتهية الى القول بأن ابو احمد جزء من ذاكرة المكان
