زنبقة بيضاء/المدرج الروماني

ربع دائرة أجمل من دائرة ،ليس الأمر مسألة رياضية بحتة،
وليس لغزا إنما هو تلك اللوحة الفنية ،الغارقة في القدم والتحفة الهندسية الفريدة
ذلك هو المدرج الروماني في وسط عمان .


انه أشبه بقمع هندسي نحتته أياد غاية في الإتقان
والعبقرية ،مثل أثواب أمهاتنا القرويات القدامى ،اللواتي كن يطرزن إبداعاتهن
بالخيط والإبرة على أثوابهن بحريرdmc لكن هنا الأمر مختلف فهو نقش في الحجر بالأزميل والشاكوش .


نحن سكان عمان لم ننتبه إليه كثيرا ،كم مررنا به كثيرا
لكننا لا نلتفت إليه ،ولا نلقي عليه التحية والاحترام ،وكأنه أصبح مثل أي بناية
منسية في ذلك الشارع المزدحم بالناس والفوضى.


حتى يخيل لي أنه بعيد عن حواراتنا ونقاشاتنا أليوميه،
ويكاد يكون مغيبا عن مقرراتنا الدراسية ورحلاتنا الداخلية،وأسأل نفسي كم مرة يا من
تكتب هذه السطور وقفت أمامه ......أو صعدت على درجاته ....إنني فعلا أخجل من
الإجابة الصريحة وغيري كثير .


نعود إلى تلك التحفة الرائعة إلى المدرج الروماني فأمامه
أعمدة منتصبة الرأس منقوش عليها قصص حب وفروسية وأساطير إغريقية ،أعمدة لها هيبة
ووقار لكل ذي لب حكيم . إنهن حارسات عمون منذ ألف وثمان مئة ويزيد وما زلن بذلك
البهاء والشموخ كجبال عمون السبعة .


في سفح الجبل أو قل في خاصرته فتحت أبواب بطريقة مدروسة
جد ا ، إنهن كعيني صقر حر، إن دخلت بإحداها توصلك للأعلى بزمن أقل من صعود الأدراج
الضخمة , وان نظرت بعينيك لأعلى المدرج سترى بابا ضخما وفخما على جانبيه كتفين
عريضين وفي أعلى الباب المقوس تاج أشبه بتاج ذهبي على رأس جندي شجاع.


أما الأدراج والمدرجات فهي حكاية أخرى .....من فلسفة
البناء وعبقريته أعدت للناظرين فالمدرجات شق بينها أدراج صغيرة للمشاة الصاعدين
والنازلين لكي لا يكون إزعاج للجالسين والمشاهدين,وفي أسفله صحن مستو يصلح للمسرح
والرقص والمصارعة,وهناك أعمدة دائرية طويلة كنخل العراق والحجاز يزيد من هيبة
المكان .....انه بحق مكان خارج عن المألوف وخارق للهندسة والبناء.


وكلما تعمقت في دراسة تفاصيله المعمارية تصاب بالدهشة
والحيرة .....ويصدمك السؤال البديهي البريء الذي يدور بخلد كل من شاهده ولمس
حجارته........


كيف نحتوا هذا الجبل...؟


أو كيف صعدوا بتلك الحجارة الهائلة إلى الأعلى ...


.وكيف رفعوا هذه الأعمدة ....


وكيف نحتوها بهذه الدقة ....؟


الأسئلة لا تنتهي ..لكن الجواب مسألة أخرى سيظل على شفاه
كل من رأى هذه الأعجوبة الرائعة.


وعلى الجانب الأخر نجد مدرجا آخر اصغر حجما محاطا بجدران
عالية وضخمة وكأنه كان لعلية القوم أو للطبقة الحاكمة في ذلك الوقت ,لا يقل روعة
واتقانا عن المدرج الكبير محاط بأبواب واسعة مزخرفة بشكل أنيق ومذهل تسرق ألباب
الفنانين والمدرج هذا جاء أيضا كربع دائرة .....


انه زنبقة بيضاء نحتت في جبل جميل لتبقى عمان منذ وجودها
ولأخر يوم على هذه البسيطة مكان مقدس ومحج لكل البشر على هذه الأرض .


وفي النهاية أرجو أن ننتبه إلى هذا المكان الرائع والساحر
ونلقي عليه التحية والسلام كلما مررنا به ولا بأس من قبلة على جدرانه الوردية
وأعمدته الشامخة..