أمكنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أمكنة

مجلة ثقافية تُعنى بأدبيات المكان


    جبل اللويبدة... علا عليوات

    أمكنة
    أمكنة
    Admin


    عدد المساهمات : 285
    تاريخ التسجيل : 16/12/2010

    جبل اللويبدة... علا عليوات Empty جبل اللويبدة... علا عليوات

    مُساهمة من طرف أمكنة 24/7/2011, 5:54 am

    جبل اللويبدة

    بقلم علا عليوات



    في النفس حنين أزلي إلى زمن لم نعرفه، زمن عشنا تفاصيله في حكايات الأهل أو في ذكريات مبهمة لمدينة لبت نداء الغد فتركت الماضي ليتوارى في أزقة تقرأ فيها ذاكرة المدينة في انحناءات الشوارع ولافتات المحلات.

    وفي اللويبدة امتزجت هذه الذاكرة بكل شيء لتصبح جزءًا من هوية المكان، حتى إنك تكاد تشم رائحة الماضي ممتزجة برائحة الياسمين المتناثر على الأرصفة، وتشعر بطمأنينة هدوئها الفريد الذي يلف بيوتها المطلة على عجبل اللويبدة... علا عليوات Ola-lweibdeh1مّان القديمة.

    واللويبدة –وليس الويبدة- التي اكتسبت اسمها من نبتة اللويبدة التي كانت تنمو بكثرة في ذلك الجبل، أو كما يقال نسبة إلى رعاة الأغنام الذين كانوا يتلبدون بعباءاتهم فيها من برد الصباح، لها طقوسها الخاصة؛ فما أن تبدأ الشمس بالميل نحو المغيب حتى ترى الناس خرجوا إلى الشرفات حاملين قهوتهم وأحاديثهم، ويبدأ توافد الأطفال والعائلات إلى منتزه اللويبدة ودوار باريس.

    وإن كنت زائراَ هارباً من صخب المدينة اليومي فلك الخيار بين جولة في مرافقها الثقافية العديدة كالمتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة أو دار الأندى ودارة الفنون حيث تجد النشاطات الثقافية والفنية على مدار العام، ويمكنك المرور بكلية التراسنطا العريقة والتي تخرج منها كثير من أبناء عمّان على مدى عقود من الزمان، ومركزها الثقافي الذي يشكل مسرحاً لأحداث ثقافية مختلفة. أو يمكنك قضاء أمسية مع مجموعة من الأصدقاء في أحد مقاهيها العديدة المتوارية في الشوارع الضيقة المحيجبل اللويبدة... علا عليوات Ola-lweibdeh2طة بدوار باريس، مثل مقهى جفرا حيث تعيش أجواء المقاهي القديمة مع الموسيقى العربية الكلاسيكية التي تنقلك إلى أجواء مقاهي القاهرة القديمة، أو أغاني زياد الرحباني التي تضفي أجواء بيروتية على المكان، فيكون هذا المقهى البسيط في قلب اللويبدة بوتقة تنصهر فيها الثقافات العربية من كل حدب وصوب، ورموز الثقافة والفكر يحدقون بك من صورهم التي تملأ جدران المكان.

    وليس بعيداً عن جفرا يقع متجر Jo Bedu حيث يمكنك اقتناء تي-شيرت عليه إحدى العبارات أو الكلمات الشهيرة المستخدمة في الشارع الأردني بتصميم إبداعي خاص. وإن كنت هناك وشممت روائح شهية منبعثة من مكان ما فتأكد أنك بت قريباً من معجنات "راس بيروت" والتي يتوافد إليها الناس من كل مكان طلباً لوجبة سريعة ولذيذة تسكت جوعاً مفاجئاً لعله يرتبط ذهنياً بمجرد وجود الشخص بالمنطقة.

    أما إن أردت مكافأة نفسك بعد يوم طويل أو كنت من محبي الحلويات فالخيارات عديدة، ومن أبرزها Chocoholic المتخصص في تحويل الشوكولاتة إلى فن يدفعك لا شعورياً لتجاهل أي شعور محتمل بالذنب قد ينتج عن السماح لنفسك بالاستسلام لتلك المغريات. وليس بعيداً عنه يوجد فيروز المتخصص بالحلويات المتنوعة والمعروف جيداً لدى سكان المنطقة وما حولها. وإن مشيت قليلاً تجد أمامك مطعم الخال، والذي يشكل نقطة التقاء محببة لدى الفنانين الأردنيين لوقوعه بقرب نقابة الفنانين. وإن صادفت أياً منهم هناك فقد تراهم في ضوء آخر تماماً، وأذكر لقاءنا ذات ليلة شتاء هناك بأحد الفنانين الذي عزمنا على "كاسة زهورات" ثم تلقى اتصالاً من زوجته تطلب منه "ميلفيه" من مخبز فيروز، وكأن ذلك المكان بما فيه أصبح ملاذاً لهم من قلة الإمكانيات والإحباطات المتواصلة في المشهد الفني.

    هذه هي اللويبدة، مدينة داخل مدينة وزمن داخل زمن وشاهدة على تاريخ ما زال يسكن بيوتها وحاراتها. فإن شعرت يوماً بذاك الحنين المألوف وشعرت بعمّان تنادك لمناجاتها كحبيبة وفية لم تتغير يوماً فستجدها هناك في اللويبدة، كانت وما زالت، أصيلة عريقة، لم تنسَ ولم تُنسى.

      الوقت/التاريخ الآن هو 13/5/2024, 9:34 am