البتراء؛ بيت الحارث

*رشاد رداد
قبل أن تدخل بيت الحارث عليك أن تتوضأ بماء القداسة فإن لم تجد فتيمم بطهر الحجارة والورد
نجوم لا تنام تحرس المكان، وعلى قمم الجبال نسور بيضاء تقطف من الغيم قبلات وتلصقها على اعمدة المدينة، وصهيل الخيول تزين حجارة السيق .
هو طريق .....
درب العابرين إلى المجد ... ودرب الخيول إلى الشمس ، مقهي المسافرين والتجار.
من جدرانه تنبعث رائحة البن والتوابل، ومن عرق صخورها نشم العطر والطيب ...السيق صور لبطولات أجدادي
هنا حفروا......
هنا رسموا......
هنا قرأوا .....
هنا نقشوا ......
هنا رقصوا .....
هنا شربوا .....
هنا غنوا .......
السيق ....تذكارات لملوك
وشيوخ ..وتجار ... ومقاتلين
السيق أغنيات ورقصات وطبول له لغتهُ وترانيمهُ الخاصة له هيبته له رهبته .
السيق جبل عظيم شقهُ الأنباط بأسرار وتعاويذ خبأوها في خزنة ( الحارث)، لكن لم يقرأها أحد
ولا يستطيع تفسيرها أحد .
بعد السيق ترتاح خيول الكلام ...........وخيول القصائد وخيول الطيب لتحتسي قهوة تعيد لقلبك المتعب اشجار الظل ...وهواء مبردًا يخرج من شقوق الصخر يمسح عن جبهتك عرق الطريق وتعب المكان .
أنت الآن في حضرة الأنباط ( أجدادي ) أمامك لوحات جدارية بحجم جبل أنها لغز عظيم ستصاب بالدهشة والصدمة !!! لأن المشاهدة غير الصورة.................. وستسال ؟؟؟؟؟؟ .
كيف نقشوا
كيف رسموا
كيف وقفوا
كيف حفروا

لا تدركه أنت ولا أنا، عندما يتحول جبلا ً للوحة تشكيلية هندسية .......عبقرية
تأمل .... تأمل ...
ثم فكر في حيلة تقنعك ، أنا لا أستطيع فك هذه الأسرار
انها بتراء أجدادي تخرج من لغز وتدخل في لغز.
قليل من الناس يدمنون المجد وقليل من المدن تدمن المجد لكن البتراء مدينة أدمنت المجد والتفوق فهي شامخة منذ ولادتها وما تزال تزدادُ شموخًا ورفعة يومًا بعد يوم .
لها هيبة الملوك ...وتواضع النساك ، تدخل إلى أجزائها الأخرى تحس بعظمتها بفخامتها بمنعتها تجعل منك طائرًا يحاول التحليق كنسر يطير ويهبط على قمم جبالها، تجعل منك بطلا ً اسطوريًا يحاول شق الجبل بيديه .
يا سيدتي ...........يا بتراء المجد نحن راحلون وأنت الباقية وكم نحن مقصرون ومقصرون فأنت أكبر من ذلك بكثير فاعذرينا ....



بعد قليل ينام الشاعر على أوراقه
فيما آخرون في الغرف المجاورة يبكون
بعد قليل يصحو الشاعر من بكاء قصائده
فيما عصافير بدأت بالشغب والضجيج
يا أيها الشعراء

الظل تفضحهُ الشمس
وأنتم خمر منفصل عن النشوة
أو امرأة نسيت نهديها
على موقف باص
وباعت شفتيها لسائح حنون
لك إن أردت أن
تمحو ملامح التراب
في دم جدك
وتسمم الحرف في زجاجة حبري
لكن دع أصابعي
تلدغ ُ نساء الشرق
في سررهن
الممسوات بالأثاره

لا تسرقوا
الأنباط من صدري
أو حص النهر المقدس _ السيق_
للبلاغة هيبة السيف
حينما تشم الورد
من الصخر الأخرس
أخطأنا حينما تركناك
لذئاب المجوس
فاحترقت وجوه خيولنا
ونحن نرقص حول النار
مبتهجين بالكارثه

لنا المجد ....لنا المجد ....
أوثان ملطخة بالطحالب
محتفية بأعراس ذابله
كمن دخل العاصفة بشمعة عمياء
كي يؤسس نص الخراب

في الليل نخلع قبعة الشيب
وقلائد الفتوحات نمسح قبلات الصبايا
عن وجوهنا الكالحة
فتبكي ساعة الرمل في ((الحميمة))

سرقوا الوقت
سرقوا الوقت
من صلصال أيدينا

لماذا يدخل الفرح إلىبيوتنا باكيًا ....!! !
ومتعبًا من ذباب الطريق
ووحشة المكان ....
سأكسر خزفة روحي
عّلها تتشكل في طير أو شجرة
أو لون مكتظ بالغثيان