أمكنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أمكنة

مجلة ثقافية تُعنى بأدبيات المكان


    جماليات المكان في روايات جبرا إبراهيم جبرا

    رائدة زقوت
    رائدة زقوت


    عدد المساهمات : 177
    تاريخ التسجيل : 17/12/2010

    جماليات المكان في روايات جبرا إبراهيم جبرا Empty جماليات المكان في روايات جبرا إبراهيم جبرا

    مُساهمة من طرف رائدة زقوت 9/5/2011, 7:49 am

    البيت والسجن والبحر والصحراء في أعمال الروائي الفلسطيني الراحل

    عمان: «الشرق الأوسط»
    اختارت الباحثة اسماء شاهين في كتابها عن الروائي الفلسطيني جبرا ابراهيم جبرا الضوء على موضوع لم ينل حظه من الدراسة حول اعمال جبرا الروائية ولم تخصص له دراسة مستقلة وهو موضوع المكان في رواياته الذي ورد باقتضاب في بعض الدراسات عن الرواية الفلسطينية او العربية.
    البيت والصحراء والمدينة:
    وتحدثت الباحثة بداية عن المكان المغلق كالبيت والسجن وغرف التحقيق والمقهى والملهى مشيرة الى ان تصوير جبرا للبيت جاء باعتباره واحدا من اهم الاماكن في رواياته نابضا بالحياة وتميزت بيوت جبرا بالتعدد والتنوع كما هو الحال في الواقع لكن الجديد في الامر هو البعد الذي اضافه جبرا الى البيت ونقصد به علاقة البيت بالشخصية واثره في تكوينها اضافة الى ارتباط البيت بالاوضاع السياسية والاجتماعية في المنطقة اما السجن الذي يمثل المكان المعادي فان جبرا استغل هذه الصفة فيه واتخذ من السجن رمزا ليعبر به عن الاوضاع السياسية المتمثلة في السلطة الحاكمة والمحتلة. ونقيض لذلك المكان جاء المقهى والملهى باعتبارهما اماكن للهو والتسلية واعطى جبرا للمقهى اهمية خاصة في رواياته تمثل هذا في ارتياد شخصياته له اذ كان مركزا للعديد من اللقاءات الهامة في حياتها.
    اما الصحراء فالبرغم من ان جبرا لم يجعل منها مكانا ترتكز عليه رواياته فقد افاد من الصفات المادية لها ووظفها لخدمة الحدث الروائي والرمز وجاء البحر نقيضا للصحراء اذ وظفه جبرا في واحدة من اهم رواياته «السفينة». فقد عبر من خلال البحر عن الافكار التي تجول في خاطره. اما الشارع فهو ايضا من الاماكن الهامة التي اعتمد عليها جبرا في رواياته فقد وصف الشارع وصفا دقيقا مضيفا عليه لمسات جمالية مستفيدا من فن الرسم الذي كان يمارسه ايضا.
    ووصف جبرا المدينة ولا سيما الفلسطينية بشيء من القدسية والحنين، وفي المقابل تحدث عن المدينة العربية التي لجأ اليها الفلسطيني وكان لكل مدينة خصوصيتها السياسية والتاريخية التي انعكست على ابطال رواياته.
    وترى الباحثة ان جبرا لم يأت بالمكان بمعزل عن بقية العناصر الاخرى في الرواية بل جعله مرتبطا دائما ببقية العناصر المشكلة للرواية لا سيما الشخصيات والزمان فاكتسب المكان اهميته من خلال حركة الشخصيات فيه، اما الزمان فهو شديد الارتباط بالمكان حتى انه يكاد يكون ملازما له في معظم الاحيان.
    واستغل جبرا الرمز في رواياته واحسن توظيفه في التعبير عما يريد فقد جعل من المكان الرمزي اداة للتعبير عن مشكلات الانسان المعاصر السياسية منها والاجتماعية مما جعل اعمال جبرا تستعصي على القراءة العادية فهي تحتاج الى قراءة متعمقة لسبر رموزها وكشف خباياها.
    اما عن الاساليب السردية التي استخدمها جبرا فتصنفها الباحثة على انها متنوعة ومتعددة منها اسلوب السيرة الذاتية واسلوب الراوي المفرد واسلوب السرد المزدوج والاسترجاع والمنولوج والحوار والرسائل الى غير ذلك كما لاحظت تطورا واضحا في استخدامها ففي كل رواية كان هناك تطور ملحوظ ليس في الاسلوب فقط بل في الكيفية التي يستخدم فيها الاساليب السردية بطريقة تخدم المكان والحدث معا فكان لكل اسلوب من هذه الاساليب جماليته التي ساهمت في اضفاء بعد جديد للمكان.
    وفي الخلاصة ان المكان شغل في روايات جبرا حيزا كبيرا فظهر حتى في عناوين رواياته وفي ثناياها «فصيادون في شارع ضيق» تحمل في عنوانها المكان لتجعل الشارع اهم مرتكز تقف عليه احداث الرواية. ورواية «السفينة» تتخذ من السفينة مكانا لتدور عليه احداث الرواية ويُحتم وجود السفينة طبعا وجود البحر الذي كان له ابلغ الاثر على شخصيات الرواية. اما رواية «البحث عن وليد مسعود» فهي ان لم تحمل اسم المكان بشكل مباشر في عنوانها فان كلمة البحث تستلزم وجود مكان فيه. وكذلك رواية «الغرف الاخرى».
    وحول اهمية المكان في الرواية الحديثة عموما تفرد الباحثة فصلا كاملا تستعرض فيه اراء النقاد والادباء واصحاب المدارس الادبية السابقة والمعاصرة وتخلص الى ان الروائيين المحدثين انتقلوا بالمكان في الرواية الحديثة نقلة نوعية عندما اصبحت صورته تتشكل في خيال الروائي لا مما يبصره في العالم المحيط بنا وتضرب مثلا برواية مارسيل بروست «البحث عن الزمن الضائع» التي ترى انها اثرت في جبرا الذي ادرك ان التصور الجديد للمكان هو خير معين على تجنب التسلسل في السرد الروائي وفي تتبع التفاصيل التي تقود بدورها الى نمو الحدث الشامل. ويعتبر هذا الادراك اهم انجاز في تطور الرواية الحديثة اذ ان النظرة الى المكان في الرواية التقليدية سابقا هي التي كانت تجعل الروائي ينقل المكان بابعاده الواقعية الحقيقية وكأنه سيستكشف من جديد مكوناته الطبيعية التي تحظى بوجودها قبل تعرف الروائي عليها وقبل تصوره لها. وبهذا التصور للمكان اصبح الروائي قادرا على تخطي الحدث الناتج عن السبب والمسبب الذي من شأنه ان يقدم لنا دليلا على وجوده من خلال محاكات. وترى المؤلفة ان كل هذا اعان الروائي الحديث على التجرد من ادوات التسلسل في السرد التي تدعى مجازيا بالخيط والسلسلة او الحبل الذي تنتظم الاحداث من خلاله. كما ان تصور المكان في الرواية الحديثة ساعد الروائيين على التحرر من قيود الواقعية والطبيعية، بل انه جاء ردة فعل ضد هذه القيود.

      الوقت/التاريخ الآن هو 8/5/2024, 11:30 pm