أمكنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أمكنة

مجلة ثقافية تُعنى بأدبيات المكان


    وادي رم .. عبقرية مكان

    رائدة زقوت
    رائدة زقوت


    عدد المساهمات : 177
    تاريخ التسجيل : 17/12/2010

    وادي رم .. عبقرية مكان Empty وادي رم .. عبقرية مكان

    مُساهمة من طرف رائدة زقوت 9/5/2011, 7:36 am

    جبال رم تشق عباب الغيم، تعلو فوقه، سيدة طقس، وعنفوان خصب، فهي حارسة القوافل، وسيدة الدروب التي ما لفظت أهلها، فكانت لها واهبة السكينة، والصدر الذي ألقت عليه رأسها، فتماهت فيها طمأنينة وراحة.

    وادي رم مَطِيٌتُهُ المجد، يعلو فوقه عقابا، حُزمة برق وسنابل، تَشكٌل وقتما لم يكن هناك سوى نجمة الصباح وغزالة. فَأَمّه الأردنيون محج قبائل، ووشاج حياة، وتَعشقوه بواكير غيث، وأرضا بكرا، وخصب مرعى. فاستحال معهم سفر تكوين، ومسحة تأمل، ومحبوبتهم التي يشتمونها نسائم عطر.

    وادي القمر يمتطي السحاب، ويعلو فوقه سيدا للكلام، قابضا على رفعته، ولم يكن هناك سوى حورية البحر، ذات الحضور البهي، فكانت معه دفق روحه، وتوليفة العذرية والنشوة، وسر أسراره.

    وادي رم يعانق النجم، ويعلو فوقه صوفيا، يجاور القمر، ولم يكن هناك سوى سلطانة القلب، وتوأم الروح، فكانت معه سر الحياة، واكتمال الرضى، والمرأة التي أهدت انتصاف الأربعين، شَعْرها المسرح رشاقة موج، وطارحته اكتمال النضارة، ومتعة الجاذبية، وعذب الكلام، وبلاغة الصمت، ومفردات العيون.

    في جبل الخزعلي، ذلك المرتفع الصخري الشاهق، تسكننا الدهشة ونحن ننساب بما يشبه سيق البتراء، الذي لا يزيد اتساعه على ثلاثة أمتار، ويضيق ليصل إلى متر ونصف المتر تقريباً، وقد كُتب، في الأمتار الأولى منه، وعلى الجهة اليمنى الداخلية، عدد من النقوش الثمودية، والإسلامية المبكرة، وأشكال أخرى علٌها وسوم، أو بقايا كلمات نبطية، وفي مواجهة هذا الكتابات، على الجدار المقابل، نُقِشت آثار أقدام، وصور آدمية مجردة الشكل، تعكس طقسية الدعاء، إضافة إلى رسم الوعل، الذي قدسه الساميون والعرب، وهذا يشي بقدسية المكان عند العرب قبل الإسلام، حيث استمر محطة راحة لهم ساعة بزوغ فجر الإسلام، فالمكان ظل ظليل، يقع على مجرى مائي تسقي عيونه العطاشى.

    أما في جبل أم عشرين، الذي يضاهي أعلى قمة في رم، فقد نقشت على واجهتين صخريتين منه نقوش إسلامية مبكرة، تفصح عن أسماء من مروا به أو سكنوا إليه، ويبدو المكان وكأنه محطة راحة لرواد الطريق، إذ ظهر فوق جلاميده الضخمة تجويفات صخرية مُصنَّعة لتجميع المياه، وما زال مرتادو تلك المواقع يعرفونها، ويستخدمونها لأغراضهم المختلفة.

    وكيفما يممت وجهك في وادي رم .. فثمة عزائم في ذراه .. وبيارق وفاء علت مصابيح أضاءت سماء الجنوب.. ومضارب حق وسؤدد فاضت شمائلها كما فاضت يمانيها .. عرفانا لا نكرانا .. وصالا لا فرقة .. فيها تطلع الشموس وإليها تؤوب.

    وادي رم ... سؤال الشاعر المشتاق للمكان وأهله ... وقد تملّكَهُ الشوق وجداً ما زال مسكوناً فينا:

    يا أخت رم، وكيف رم؟ وكيف حال بني عطية؟

    هل ما تزال هضابهم شما وديرتهم غذية؟

    سقيا لعهدك والحياة كما نؤملها رضية

    وتلاع وادي اليتم ضاحكة وتربته غنية

    أ.د. سلطان المعاني

      الوقت/التاريخ الآن هو 8/5/2024, 9:50 pm