الرئيسية
أحدث الصور
من طرف رائدة زقوت 30/4/2011, 9:17 am رائدة زقوت*
لم يأبه بالمارة، جلس في المكان الذي اعتاده منذ أربع سنوات، يفترش صخرة مرتفعة قليلاً عن الأرض ويشعل سيجارته ، ويمسك باليد الأخرى كأساً كبيراً من القهوةِ، دقائق ويبدأ وجهه الحزين باستعارة بعض السعادة المسروقة من تلك السجائر، سطوة القهر، وانتقاص الفرح لا يذهب جزعه غير السفر في أنفاس هذه السجائر، لا يرافقه من البشر غير ذلك الصديق الذي واكب نكباته واحدة تلو الأخرى منذ أصبح شاب.
نهض يتمايل صوب سيارته، أدار الموسيقى على أغنية، لا يمل من تكرار سماعها برفقة القهوة وسيجارته ودموعه التي تهرب من لحظات السعادة المسروقة من تلك السجائر.
" لا تسافر قبل ما شوفك " يدندن مع الأغنية بصوت متهدج قبل أن يطلق صرخة اعتاد معارفه سماعها كلما أدار تلك الأغنية الهاربة بحياته صوب العذاب.
كانت ترقص عليها كل لليلة، تسحبني من يدي بعد أن تكون قد ارتدت ملابس جميلة، وتعطرت، تمسك يدي لأشغل جهاز " الكمبيوتر" وتطلب مني أن أرفع الصوت لأعلى درجة حتى لا تسمع إلا صوت الأغنية وصوت أنفاسي وهي تقترب من وجهها الملائكي، لا أقاوم، أراقصها، أحضنها بشدة وأضمها صوب قلبي بكل ما أوتيت من قوة.
- هلأ بنكسر ظهري ؟!
أتعاطف مع نعومتها ورقتها وأخفف من وطء الضمة، وأبدل الضمة القوية بأن أدور بها في الغرفة ، تتراقص وهي بين يدي وصوت ضحكتها يعلو بنغمات تغطي على صوت الأغنية، تتنصل من يدي أخشى عليها من السقوط بعد هذا الدوران، أقوم بإنزالها على الأرض بكل حنو وحب .
بعد أن تثبت على الأرض تقوم بترديد السؤال المعتاد
- بتحبني أكتر ولا هُما ؟
- مين هُما ؟ احكي أسمائهم وأنا بحكيلك الجواب ؟
- خلص هُما أنت بتعرفهم
أضحك وأنا أحضنها أحبك أكثر، أحبك أكثر من أي شخص على وجه هذه الأرض، أحبك بجنون.
يشهق باكياً وصديقه يتابع بعينين دامعتين سيناريو يتكرر مع صديقه منذ سنوات.
- دفنت قبلها ابني الوحيد ولكن جرحها أكبر، أشتاقها، أشتاق أن أضمها لصدري وأدور بها في الغرفة حتى تشعر بالدوران وتصرخ بصوتها الملائكي " نزلني دُخت"
هل تعرف يا صديقي كيف تدفن قطعة منك وأنت حي؟؟ لقد كانت هي القطعة الأجمل في حياتي، لم يعد للحياة معنى بعدها، كل من تبقى من الأسرة لم أعد أشعر بوجودهم، أحبها يا رجل، أشتاق لها .
قال جملته الأخيرة وهو يصرخ، ركض صوب سيارته، قادها مسرعاً تاركاً كل شيء خلفه، لا يرافقه غير تلك النغمات التي تنداح من جهاز التسجيل، كان يردد مع المطرب وهو يجهش بالبكاء، " لما سافرتْ ؟ " لم أغب عنها غير أربع ساعات كيف يغتالها الموت وأنا بعيد ؟؟
توقف عند المقابر، تناول زجاجة ماء ترافقه منذ دفنها، وصل للقبر، لا للقبور, فقد كانوا كثر من دفنهم في تلك المقابر، ولكنها صاحبة أكبر جرح ترك في قلبه، قبرها بجوار قبر والده وابنه الطفل الذي مات قبل أن يتعرف على الحياة وهي الطفلة ذات الثلاث سنوات وقبر ابن أخته والكثير من قبور الأقارب الأقل درجة.
سكب الماء على قبرها الذي يبدو للناظر كحديقة صغيرة من كثرة الورود والأشجار الصغيرة المزروعة حوله، قرأ الفاتحة، مسد تراب القبر بيديه تناول حفنة من التراب وتنشقها بقوة، سمع صوتها تضحك عليه، نظر حوله ليتأكد من أن المقبرة خالية من الزوار، جلس بجوار القبر محاولاً نبشه، حفر قليلاً يدفعه شوقٌ مجنون لحضنها، اندمج أكثر وقبل أن يتورط أكثر سمع صوت صديقه خلفه
- إنهم لا يرجعون ....إنهم لا يرجعون ويجره من يده خارجاً به من المقابر .
*مقطع من أغنية خليجية
