أمكنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أمكنة

مجلة ثقافية تُعنى بأدبيات المكان


3 مشترك

    (أدبيات المكان وذاكرته) لسلطان المعاني: متعة المقاومة بالآثار والتاريخ واللغة

    أمكنة
    أمكنة
    Admin


    عدد المساهمات : 285
    تاريخ التسجيل : 16/12/2010

    (أدبيات المكان وذاكرته) لسلطان المعاني: متعة المقاومة بالآثار والتاريخ واللغة  Empty (أدبيات المكان وذاكرته) لسلطان المعاني: متعة المقاومة بالآثار والتاريخ واللغة

    مُساهمة من طرف أمكنة 24/4/2011, 11:50 am

    (أدبيات المكان وذاكرته) لسلطان المعاني: متعة المقاومة بالآثار والتاريخ واللغة




    عز الدين المناصرة - في ظلّ عولمة متوحشة، و ليبرالية ، أكثر دكتاتوريةً من أيّ تيار قومي يساري، تتجلّى الليبرالية الأميركية، بلغتها الخشبية الإرهابية، وفعلها الأكثر عنفاً في التاريخ الحديث، كما في سجن أبو غريب ، و غوانتانامو ، و حصار غزّة ، و الحرب الإسرائيلية على لبنان ، و تهديد سوريا وإيران ، بحرب جديدة، ويتفرّج المثقفون العرب من تلامذة حركة الاستشراق، معلنين إعجابهم بالتأمرُك والتأسرُل، والتفرنُس، أو صامتين صمت القبور، إزاء ما تتعرض له هويتهم الثقافية من تدمير. وفي مقابل ذلك تقف أقليّة من المثقفين العرب في مواجهة هذا الخراب الكبير (الشرق الأوسط الجديد)، تقاوم بما تستطيع، تقاوم باللغة، وبالآثار، كما يفعل سلطان المعاني في كتابه الجديد أدبيات المكان وذاكرته ، وفيه يصبح سلطانُ المعاني، سُلطانَ المعاني ، يحفر في الصخور والرمال واللغات عن تأصيل لمعنى مفردة مكانية غامضة، أو واضحة، وفق جدلية المكان والزمان.
    (أدبيات المكان وذاكرته) لسلطان المعاني: متعة المقاومة بالآثار والتاريخ واللغة  192414أمّا المكان، فهو شرقي نهر الأردن، الذي كان وما يزال العمق الاستراتيجي لفلسطين المنكوبة بغزوة الدولة الخازوق ، التي زُرعت في بلادنا منذ العام 1948. أما الزمان، فهو زمان شرقي الأردن الحضاري، منذ ما قبل الألف الثامن قبل الميلاد في عين غزال ، عصر ميلاد القرى الزراعية في شرقي الأردن، وحتى الأردن الحديث (معركة الكرامة في العام 1968 مثلاً)، مروراً بالكنعانيين، أجداد بلاد الشام، من: أموريين، وفلسطيين، ومؤابيين، وعمّونيين، وأدوميين، وآراميين، وأنباط، وثموديين، وفينيقيين، وغيرهم، هؤلاء جميعاً، هم العرب:
    أولاً: سلطان المعاني، عالم آثار، صارمٌ في دقّته العلمية، وهو يقرأ آثار الأردن، حيث نشر العديد من الأبحاث في مجلات علمية محكمة، وله أيضاً عدّة كتب منها: مفردات قديمة في السياق الحضاري ، و ذاكرة الحجر . وله ترجمات علمية دقيقة ومرهقة، منها، كتاب بياترس جرندلر : تاريخ الخطوط والكتابة العربية من الأنباط إلى بدايات الإسلام ، بالاشتراك مع فردوس العجلوني. أما أبحاث المجلاّت العملية المحكمة، فهي كثيرة، ومنها:
    1. أسماء المواقع الكنعانية والآرامية في الأردن، التابعة لمحافظة العاصمة إدارياً. 2. الكتابات العربية القديمة والإسلامية على رجوم بادية الشهباء الشمالية الشرقية في جنوب الأردن (بالاشتراك مع جمعة كريم). 3. نقوش كوفية مؤرخة من البادية الأردنية الجنوبية الشرقية (بالاشتراك مع جمعة كريم). 4. دراسة نقوش عربية شمالية قديمة من وادي الخشابية في البادية الأردنية الجنوبية الشرقية (بالاشتراك مع جمعة كريم). 5. دراسة تحليلية لنقوش صفوية جديدة من الأردن/ المفرق. 6. قراءة لنقوش جديدة من عقبة الحجاز (بالاشتراك مع جمعة كريم). 7. بقايا اللهجات السامية في أسماء المواقع الجغرافية في بلاد الشام. 8. أسماء الأمكنة في النقوش النبطية. 9. نقوش عربية شمالية من الحَرّة الأردنية. 10. الوظائف والمهن والحرف عند الأنباط. 11. اللغات السامية الشرقية.
    وله أيضاً بالاشتراك مع جمعة كريم، بحوث أخرى، مثل: 12. نقشان عباسيان من وادي الغَرّة شرقي الجفر. 13. مشروع المسح الميداني لنقوش وادي بترا- الكرك. 14. نقش شاهدي لأحد أمراء البيت المرواني من محنا (الكرك). 15. كتابات إسلامية من وادي حدرج - قضاء الجفر. 16. أضواء على حكم السلطان الناصر محمد ونائبه بهادر البدري في نيابة الكرك والشوبك (دراسة تحليلية لنقش إسلامي). 17. مسح النقوش العربية من شعيب العاذرية شرقي الجفر. 18. نقشان عربيان: أيّوبي ومملوكي من مزار مؤتة (بالاشتراك مع حمزة المحاسنة). إضافة إلى ثلاثة أبحاث بالإنجليزية، في مجلتي: Adumatu و Syria ، حول النقوش الصفاوية في المفرق ، وبحث بالألمانية.
    ثانياً: يبدو لي أن سلطان المعاني أدرك بفطنته المعهودة، أنّ المعرفة الآثارية والتاريخية واللغوية بهويّة شرقي الأردن، ستظل حبيسة أسوار الجامعة، وأدراج أهل الاختصاص، وأدرك أنّ تاريخ الأردن الحديث ، لم يبدأ منذ عصر الحروب الصليبية، أو العصر العثماني، أو في القرن العشرين، بل يبدأ منذ الإنسان الأول في هذه المنطقة، وأنّ أرض شرقي الأردن، والأردن الحديث، مليئةٌ بالأسرار، وأنّ هذه الأرض، لا تمنحك أسرارها بسهولة، فلا بُدّ من أن تحفر في الجبل والسهل والصحراء والبحر والأنهار والصخور والرمال واللغات القديمة، من حوران إلى البحر الأحمر إلى البادية والصحراء. وأدرك سلطان المعاني أنّ ربط الجامعة بالمحيط الثقافي، ليس مجرد شعار يرفعه الكسالى من المثقفين الأكاديميين، فقرر أن يخوض تجربة الإيصال إلى الرأي العام، وذلك بتبسيط المعرفة الاختصاصية ، وإيصالها إلى الناس، ليعرفوا تاريخهم وهويتهم الثقافية، وهذا ما فعله في كتابه الجديد أدبيات المكان وذاكرته .
    ثالثاً: هنا يتحوّل عالم الآثار إلى شاعر عاشق ، وإلى مواطن ، يعشق وطنه، عبر ذلك المزج الجميل ، بين المعلومة الآثارية والتاريخية واللغوية عن المكان، وتتميز المعلومة هنا بأنها خلاصة الخلاصة المُيسّرة ، وبين التعبير عن المشاعر الذاتية تجاه المكان، فسلطان المعاني، يعرف تفاصيل هذه الأرض، جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً، ولم يكن مجرد قارئ كتب، بل هو حفّار صخور وقبور ورمال ، ليكتشف الجذور العتيقة للأرض. وهو أيضاً، قارئٌ استبصاريّ لنقوش، دون أن يتجاوز حدود التأويل المعقول، يستعين مرّة باللغة، ومرّة بالتاريخ، ومرّة بالنقش، ومرّة بالبصيرة. هذا الأسلوب الجميل في تعبير العاشق عن عشقه للمكان، جعله يربط الأردن الحديث ، بشرقي الأردن القديم، وهذا ما جعل الكتاب مُمتعاً وسهلاً للقراءة، مما يجعل الإيصال سهلاً أيضاً.
    رابعاً: كان الأردن، وما يزال، العمق الاستراتيجي لفلسطين المنكوبة، وبالتالي، لم يكن الأردن القديم الكنعاني، منفصلاً عن الثقافة الكنعانية: فلسطين وسوريا ولبنان والأردن ، رغم نظام دول المدن ، ففي معركة قرقرة، تحالفت الممالك الكنعانية، ضدّ الغزو الآشوري في عهد شلمنصر الثالث (858-824 ق.م)، أي في القرن التاسع ق.م، وكان العمّونيون من بين قوات هذا الحلف الكنعاني: يقول النصُّ الآشوري: ومن عمّون، كانوا اثني عشر ملكاً، هبّوا في وجهي للمعركة الحاسمة . أمّا الأردن الحديث ، فنحن نعرف أطماع الغزاة فيه، منذ الحروب الصليبية، وحتى تهديدات الدولة الخازوق ، قبل 1948 وبعده: كان وايزمان، رئيس الوكالة اليهودية، يقول في العام 1918: أريد أيضاً: مراعي مؤاب، وقمح حوران ، ولم تتوقف تهديدات الدولة الخازوق للأردن، حتى بعد معاهدة وادي عربة. لهذا أدرك سلطان المعاني أنّ الأردن، محكومٌ بكنعانيته، و فلسطينيته ، ومن حقّه كمواطن كنعاني أردني، أن يركّز قراءته الوثائقية الأدبية على ولاية الأردن بالتحديد، لأن القراءة التوراتية، جعلت الأردن القديم ، هامشاً، للتاريخ التزويري لتاريخ فلسطين القديمة منذ القرن الثامن عشر مع صعود حركة الاستشراق، وحتى كتاب لانكستر هاردنغ: آثار الأردن ، الصادر بالإنجليزية في العام 1959، هو كتاب يفصّل تاريخ الأردن، ويؤوّل آثار الأردن، وفق نظرة توراتية!.
    (أدبيات المكان وذاكرته) لسلطان المعاني: متعة المقاومة بالآثار والتاريخ واللغة  192415خامساً: يكاد المرء يجزم، بناءً على تناقضات فاضحة في التوراة ، أنّ موسى لم يَرَ شرقي الأردن ، ولم تطأ قدمه أرضها الطاهرة، ولم يدفن في جبل نيبو في مادبا، لأنّ التوراة نفسها تؤكد أنه مات ودفن في صحراء سيناء، أرض أبيه وأجداده المصريين . وأنّ هيرودوس (حَرَدْ الأدومي العربي)، صاحب قلعة مكاور في مادبا، لم يكن يهودياً، بل كان حاكماً عربياً، هو وأولاده لفلسطين، وشرقي الأردن، حتى ظهور المسيح، وأنّ الطائفة اليهودية في القدس التي حكمها، كانت تشكل 8,5 بالمئة من سكان القدس. وأن نقش الملك ميشع المؤابي، قد تمّ التزوير فيه من قبل القنصل الفرنسي في القدس كلير مون غانو ، بإضافة بعض الكلمات، أو أن يكون بيت عومري الذي انتصر عليه ميشع، ليس إلا مملكة فلسطيّة كنعانية ، فهو صراع قبائل عربية كنعانية، ليس إلاّ...
    ثمّ نقرأ في كتاب سلطان المعاني: أدبيات المكان وذاكرته ، بأسلوبه الممتع، الفيّاض بالمشاعر، والمعلومات أيضاً، بعض العينات من المعلومات:
    1. عمّون: ربما دلالة العمومة والشعب ، ثمّ في العصر الكلاسيكي: فيلادلفيا: الحب الأخوي . طوبيا، عبد عمّون، أحد قادتها. كانت كنعانية، استشرفت الجمال اليوناني والروماني، والفارسي، والعربي: القلعة، الأكروبوليس، سبيل الحوريات، المدرّج الأديون، شوارع الكوردو، تايكي.. استعداد خرافي يتملكنا لخوض لعبة كونية، تخرج عن نطاق ثوابت المكان والزمان. يسكب عموّن، أو ربّة عمّون، المداد على رُقُم الطين في قلعتها. عمّان ذاكرتنا، تآمرنا الجميل على اللحظة والمسافات، ففي دلالاتها أنّ عمّان تجمعنا كأبناء عمومة. بقايا معبد هرقل في جبل القلعة، بناه الإمبراطور الروماني أوروليوس، ثم تايكي إلهة الحظّ ، وقد أنبأ نقش عموندب ، ملك عمّون، أن الدنان في عمّون، ملأى، والأهراء يطفح من جنباتها القمح والحبوب والطحين. وفوق جبل القلعة، يقترب الزمان بكل تفاصيله، فمن الكنيسة البيزنطية إلى القصر الأموي إلى المعابد الرومانية.
    2. عين غزال: الأرض البكر، بداية القرى الزراعية في العصر الحجري الحديث، وتعدُّ قرى: عين غزال، البسطة، البيضا، وادي شعيب، أهم مواقع تلك الفترة، حيث دلّت الحفريات على استمرارية السكن منذ منتصف الألف الثامن ق.م، حتى منتصف الألف الخامس ق.م.
    3. الرقيم: خرجوا من أفسوس، بسبب طغيان ديقيانوس الروماني الوثني. كانوا سبعة، وصحبهم في طريقهم كلبهم قمطير . وفي ترحالهم، آووا إلى كهف في عمّون. وقد كان العلم بالكهف وقومه في عهد ثيوديسيوس في النصف الأول من القرن الخامس الميلادي... أو في عهد جستنيانوس الأول من القرن السادس الميلادي. وكان فتية الكهف، ممّن اتبعوا المسيحية. ناموا لثلاثة قرون فوق الأرض الأردنية. وحين اكتشف الكهف في مقبرة تعود إلى العصر البيزنطي قرب عمان منطقة أبو علندا ، وجدوه مزيناً برسومات وزخارف نباتية وهندسية، وكتابات باللغتين اليونانية والعربية.
    4. وادي السير: نهل وادي السير دلالة الاسم من صور الآرامية، فدعاه هيركانوس العموني تيروس .
    5. البيادر: هي من الاشتقاق من الآرامية، مركبة من كلمتين: حرف الباء، مختزلُ كلمة بيت ، ودَريا: درس القش ، فالبيادر مكان درس الحبوب والبقوليات.
    6. عبدون: وفق صيغة فعلون الكنعانية، مثل عمّون عمّان ، وديبون ذيبان ، وحسبون حسبان .
    7. ناعور: اسم، حسب الجغرافيين العرب، يعني الإخضرار ، ولعلّه مشتق من الآرامية: ناعورتا: طاحونة الماء .
    8. عراق الأمير: شُيِّد قصر العبد في العصر الهيلّني أيام سلوقيوس الرابع على يد هيركانوس، قريب طوبيا العمّوني. هناك على مرمى البصر من البيادر، تكسر أسوار القدس صمت الأسفار.. وتعلن أنّ كنعانياً بلكنته العمونية أفصح لها أن المسافة بين أسوار القدس وعمّان، مثل حبل الوريد. وقد ظل قصر العبد منذ القرن الثاني الميلادي، خصب الذاكرة.
    9. البترا: هي البترا، والرقيم، والشقّ الصخري، أمُّ الأنباط، سادة الشواطئ والمواني والبحار في الحوراء على شواطئ البحر الأحمر، وملتقى المتلهفين على شواطئ غزّة ، تطل على ما وراء البحر. الأنباط أرباب السفن المرتحلة باللسان العربي، والحرف النبطي إلى جزر المتوسط وإيطاليا.. حملة بواكير التهجئة إلى مالطا بلسانها العربي. تجرّع الغزاة الرومان الهزيمة أمام البتراء. تدغدغ ورد صخرها، أنسام الكروم وخوابي الخمور. صباحاتها انسكاب الراح في أقداحها، ولملمة كروم العنب لدى الشرى ، قرين باخوس. وتظهر الأساليب النحتية النبطية نشاطأً فنياً عظيماً في فن الزخرفة والطرز المعمارية المنحوتة في الصخر، ذات التماثل الفني الدقيق، منذ القرن الثاني قبل الميلاد. أمّا أسماء البنّائين، فهي عربية نبطية: هانئ، أحيند، وهب الله، والمعماري النحّات مثل: عبد الحارثة بن عبد عبادة، وخلف الله بن حملج، ووهب بن أفصا، وحور بن أخي..الخ. وقد وردت أسماء الحرف اليدوية في النقوش النبطية، مثل: خ ز ف / خّزّاف ، والحاطبة ح ط ب ت ، وحرفة الصائغ ص ي غ ا ، والنجار ن ج ر ، والنسّاج ن س ج و . قلب دولة الأنباط هو الأردن، وأذرعتها، هي سيناء، والحجاز، وحوران، وسواحل البحر الأبيض المتوسط في فلسطين.
    10. معان: تشكلت فيها توليفة الحروف: كوفية وحجازية وشامية، وقد داهمتك دهشة الحرف الثمودي ستة قرون.
    11. البادية: تحتضن البادية الأردنية عشرات الآلاف من النصوص، التي تعكس العلاقة بين الإنسان والمكان، والإنسان وأخيه الإنسان في البوادي الشمالية والوسطى والجنوبية.
    12. الأزرق: كان الرومان يخافون الدخول في الصحراء طيلة حكمهم لبلاد الشام، وقد أراد الرومان من قلعة الأزرق ، أن تكون نقطة إنذار مبكّر، واستخدموها سجناً، يعملون فيه سياطهم في أجساد العرب الثائرين الرافضين للاحتلال الروماني. وكانت الأزرق، محطة للقوافل في رحلتها إلى أم الجمال، وبُصرى ، ملتحقة بدرب الحرير إلى سواحل المتوسط، قادمة من وادي السرحان، والجفر وباير. وتحطّ في محميّة الأزرق مئات الأنواع من الطيور حول الماء، قادمة من آسيا وإفريقيا، إضافة للثعالب والضباع والذئاب والمها والوشق وغيرها.
    13. أمّ الجمال: حاضرة الأنباط. تخلقت فيها شرنقة الحرف الكوفي في نقشيها الأول والثاني، حيث شكّلا الحبل السري الواصل بين النبطية المتأصِّلة تطوراً عن الآرامية، وبين الخطّ الكوفي المبكر الذي رسمت حروفه المصاحف الأولى، فقد كان للعرب الأنباط، دور في نقل الكتابة إلى غيرهم من القبائل العربية في القرنين الثاني والثالث الميلاديين، لتولد الكتابة العربية من رحم المخاض النبطي والآرامي السرياني.
    14. الكرك: جذور أسماء الأمكنة في دلالاتها واشتقاقاتها، تعود إلى أولئك الذين خلّفوا إرثاً حضارياً فاعلاً في المنطقة، فهي أسماء كنعانية وآرامية وعريبة ، أو يونانية ولاتينية ، أو أسماء جاءت نتيجة الاختلافات في حركية المنطقة من القرن الثاني عشر الميلادي وما بعده: أدر ، مركز مؤابي من العصر البرونزي المبكر. أما اللجّون فتعود إلى الألف الثالث ق.م. ويتفاعل السكان مع الأمكنة في علوّها و ارتفاعها ، فتكون الأسماء مثل: سكا: المكان المشرف ، وخربة الطور، والظاهرية، وعالية، والمشيرفة، والسماكية، والذراع، وذات رأس. أما الاتساع والانبساط ، فهناك مومية: المغارة الواسعة ، وفيفة، وسهل شرما. أما الارتفاع والانخفاض ، فهناك، مثلاً: عمقا: الوادي ، ومجرا: مسقط، و فقوع: المنخفض، الوادي الفسيح ، و راكين: المنحدر ، والغوير والعراق، وحجرا. أما: محنا ، فهي: المخيم، والربّة، هي المدينة الرئيسة، و مجدلين: القلعة ، و مرود: مكان التجوال ، ومؤتة: مكان الموت، و عي: الخربة ، وعين دارا: مكان الحرب، وكمنّا: مخابئ، ومكائد، وكثربا: كفر ربا، والكرك، والمعمورة، والمنشية، ومجيدل، ومُحي، والقصر، وخوخا، الشقوق الصخرية ، والبحر، الشقّ، الفجوة في الأرض . وإمرع مكان العشب ، والزرّاعا، والروضة، والمزرعة، والمريغة أرض صحراوية - أو تشير إلى مصدر مائي، أو ما رُكّب مع سيل، ومنها: عين ارسيس، وعين لوع، وعينون، والبالوع، والعينا- وهناك ما يدل على فكرة دينية أو عاطفية أو ثقافية، مثل: الربّة المدينة الرئيسة ، وعزرا مكان المعونة أو المساعدة ، ومدين مركز العدالة والقانون ، ومسعر النار الملتهقة ، وياروت مكان الصداقة أو الرفقة ، وخربة الحنو خربة الرحمة والخطوة ، وأدر المالفة، الماجدة ، ومؤاب ربّما من آب ، وزبدا هدية الرب ، وبردى المكان البارد . وهناك أسماء مرتبطة باللون: الشهابية، شقيرا، سمرا، الأبيض، جبل الحُمْر، وهناك مواقع تنسب للحيوان والنبات: أم الغزلان، أم الخنازير، أمرع، وزيتا.
    15. الموجب: الموجب من الوجوب، وهو السقوط والوقوع، فوجب وجبة، أي سقط إلى الأرض ، كان مسكوناً منذ العصور الحجرية القديمة. وقد يكون اسمه أرنون لاتينياً، ولكنه في الصياغة والدلالة، يحمل ملامح الأسماء السامية الشمالية الغربية بفرعيها: الكنعاني، والآرامي. وفي الدلالة، فإنّ أرِنْ: شجر الغار، أو: الوعل. يضمحل الوادي إلى عمق 400 م، ويغور سحيقاً في بعض مجاريه إلى 800 م. فيه من الحيوانات: الوعل، الماعز الجبلي، القطّ البرّي، والثعالب، وربّما: النمور. ويعتبر الموجب: أرنون ، الحبل السرّي الذي يصل بين مملكتي: مؤاب، وعمّون.
    16. العقبة إيلا : عُرفت العقبة في التاريخ اليوناني باسم بيرنايس ، وعُرف خليجها باسم خليج لينتيز ، وسمّاها الرومان إيلا ، وتسمّت العقبة باسم أيلة في زمن الأدوميين، والآراميين، وتناوب على حكمها: الآدوميون، والآراميون، والعرب الأنباط. كانت حبل الوصل بين الديار المصرية والحجازية والشامية. فكانت أيلة وجوارها: معان، الجرباء، أذرح، والحميمة، معاقل الإسلام الأولى.
    17. شهداء: الأردن أرض الانتصارات في مؤتة واليرموك وفحل والكرامة. ودفن فيها صحابة شهداء: جعفر الطيّار، عبد الله بن رواحة، وزيد بن حارثة، وعامر وعمرو ابنا سعيد بن الحارث، ومسعود بن الأوس، ووهب بن سعد بن أبي السرح، وحارثة بن النعمان، وسراقة بن عمر بن عطية، وعبّاد بن قيس، وجابر وأبو كليب، ابنا عمر بن زيد، كلهم في مؤتة وسهولها. وفي شمال الأردن، يرقد في سوم قرب إربد، يرقد الصحابي أبو الدرداء عويمر بن مالك الخزرجي الأنصاري ، قاضي بلاد الشام. ويرقد في الأغوار الشمالية: عبد الرحمن بن عوف، وأبو سليمان الدارمي، ومعاذ بن جبل، وضرار بن الأزور، وأبو عبيدة عامر بن الجرّاح، وشرحبيل بن حسنة، وعامر بن أبي وقّاص ، وشهداء معركة الكرامة في العام 1968 من أردنيين، وفلسطينيين، استشهدوا في الكرامة، والسويمة، والرامة المكان العالي ، والكفرين.
    18. أدم، أدما، أدمة: اشتدّت سمرته، وهو معنى ملائم للون التربة في منطقة البحر الميت. و سدوم من صدم. وهو في العربية: الندم والهمّ والحزن، والسديم هوا لماء، ومياه سُدم، أي متغيرة.
    19. أُمُّ قيس: قيل سُمّي قيس ، نسبة إلى الإله الأدومي الكنعاني قوس ، وقيل: هي الضريبة التي تؤخذ من التجار مقابل استخدام الطريق، والتي هي تحريف للكلمات: مقيس، مكيس، مكوس ضريبة .
    20. أرابيلا: هي إربد ، ويعود تلّ إربد إلى الألفية السابعة ق.م.، وحضر إليها تغلات بيلاسر الثلاث، وأعاد بناء السور في القرن الثامن ق.م. هي أيضاً: بيت ربّ إيل ، وأرابيلا، والأقحوانة، وإربد. أرابيلا ، اسم كنعاني، أي البيت الذي عظّمه الله.
    هذه عينات قليلة، مما أورده سلطان المعاني في كتابه: أدبيات المكان وذاكرته ، تؤكد جدلية الزمان والمكان، وتؤكد جدلية القديم والحديث. هو كتاب المقاومة بالآثار، والتاريخ واللغة ضدّ أعداء الماضي والحاضر، هو تصحيح سريع لتاريخ الاستشراق. أمّا عن الجدلية، فقد صيغت بأسلوب شاعري متدفق، وقد سبق لي أن قلتُ ذات مرّة: لولا الخيال، لمات المنفيّون قهراً ، وسبق أن قال رسول حمزاتوف في كتابه الجميل: داغستان بلدي : إذا أطلقتَ نيران مُسدَّسك على الماضي، أطلقَ المستقبل، نيرانَ مدفعه عليك
    رائدة زقوت
    رائدة زقوت


    عدد المساهمات : 177
    تاريخ التسجيل : 17/12/2010

    (أدبيات المكان وذاكرته) لسلطان المعاني: متعة المقاومة بالآثار والتاريخ واللغة  Empty رد: (أدبيات المكان وذاكرته) لسلطان المعاني: متعة المقاومة بالآثار والتاريخ واللغة

    مُساهمة من طرف رائدة زقوت 25/4/2011, 12:35 pm

    بالتأكيد ننتظر بفارغ الصبر قراءة الكتاب فالدكتور سلطان فكر نير وقلم حر
    شكراً لك أستاذ جلال على نقل هذه القراءة الجميلة
    تحياتي ومودتي
    عبد الكريم أبو الشيح
    عبد الكريم أبو الشيح


    عدد المساهمات : 21
    تاريخ التسجيل : 19/12/2010
    العمر : 62

    (أدبيات المكان وذاكرته) لسلطان المعاني: متعة المقاومة بالآثار والتاريخ واللغة  Empty رد: (أدبيات المكان وذاكرته) لسلطان المعاني: متعة المقاومة بالآثار والتاريخ واللغة

    مُساهمة من طرف عبد الكريم أبو الشيح 25/6/2011, 4:29 pm

    الدكتور سلطان المعاني من العقول الجادة والفذة التي نعتز بها
    له منا كل الود والتقدير

      الوقت/التاريخ الآن هو 10/5/2024, 5:33 am