أمكنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أمكنة

مجلة ثقافية تُعنى بأدبيات المكان


    ذاكرة المكان

    أمكنة
    أمكنة
    Admin


    عدد المساهمات : 285
    تاريخ التسجيل : 16/12/2010

    ذاكرة المكان Empty ذاكرة المكان

    مُساهمة من طرف أمكنة 25/3/2011, 9:01 am

    ذاكرة المكان



    سعد الثقفي*
    ما الذي يجعلنا نتذكر مكانا دون سواه!
    وما الذي يجعلنا نتوق لمكان دون آخر!!
    فهناك أمكنة حين نعود إليها، تعود بنا الذاكرة للوراء، فنتنسم عبق الماضي، ويصدر من القلب آهات حرى، وتتلاحق الأنفاس جذلى، وحبلى أيضاً بالذكريات.
    لكن، أيهما يشكل ذاكرتنا ويعيد صياغة دواخلنا أكثر: الزمان أم المكان؟
    أم يشكلان معا تلك اللحظات التي لاتنس من التجلي، اللحظات التي تعيدنا للوراء، فنتذكر كل شيء.
    لكن، هناك أمكنة لانشعر بها، ونمر عليها مرور الكرام. وفي المقابل يستحضر العقل مكاناً جميلاً يجعله توقيتا مناسباً كلما مررت عليه لتنداح الذكريات، وهناك أمكنة أخرى تشكل مساحة أضيق من حيز الذكريات.
    فنمر عليها مرور العابر الذي ينظر فقط للطريق الذي سيعبر به دون أن يجوس ببصره خلال الديار.
    هذه حالة غريبة وفريدة أجدني أرصدها هنا، فالمكان الذي يشكل أهمية لك قد لايعني شيئاً لآخر. وقد تقف على مكان ما مشهور تغنى به الشعراء، ووقف عليه المشاهير، فتجده مكانا عادياً لايثير اهتمامك.
    فالمكان بما يحويه من دلالات، وما يشي به من وجدانيات أضحى هو الآخر عصياً على الفهم والإدراك، أنا هنا لا أقصد المكان الذي يعني لك شيئاً عزيزي القارئ؛ مثل المكان الذي ولدت فيه، ودرجت عليه مع أترابك، وشكل ذاكرتك الأولى؛ وإنما أعني مكاناً، مبهما، يمر عليه اثنان، أحدهما يقف عليه مذهولاً، مأخوذا بتضاريسه وتشكلاته، وما أفاض به عليه من مشاعر، وآخر لايعني له المكان شيئاً، فينظر إليه واجما شزرا، فقد يكون اختلاف الثقافة، والنظر إلى مكنونات الأشياء هي التي غيرت من نظرتهما لذات المكان. ولكن المكان نفسه تتغير دلالاته وإيحاءاته تبعاً للظروف، وتبعاً لنفسية الواقف عليه. بل قد تتغير تأثيرات المكان ذاته على إنسان بعينه.
    وفي شعرنا العربي القديم على سبيل المثال، نجد حضور المكان ومفرداته من أطلال، ودمن باقيات، تشكل في أحايين كثيرة باعثاً للشعراء على امتطاء صهوة القصيدة.
    والأماكن هي الأخرى مثلها مثل البشر لها طبائع، وأوضاع مختلفة؛ فهناك مكان واجم مطبق تخرج منه حزينا أسفا، وقد أورث الحزن في نفسك، وهناك مكان يضفي الفرح والحبور، وآخر يؤثر في رغباتك وطبائعك، بل أكاد أجزم انه لايوجد مكانان على وجه البسيطة لهما نفس التأثير خطر المكان، أمر معروف، وصار من المسلمات، فالمكان المغلق على نفسه، لا بد أن تتركه سريعاً، للبحث عن مكان آخر تنشط دلالاته عقلك، ليعيد الكرة من جديد.
    ذكر آرنست همنقواي كيف ينتقل إلى شقق مختلفة في انحاء العالم ليستطيع وليستفيد من تأثير المكان على عالمه الروائي حين يكتب
    * عن الرياض

      الوقت/التاريخ الآن هو 9/5/2024, 1:04 pm