أمكنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أمكنة

مجلة ثقافية تُعنى بأدبيات المكان


    فلسفة المكان في الشعر العربي

    أمكنة
    أمكنة
    Admin


    عدد المساهمات : 285
    تاريخ التسجيل : 16/12/2010

    فلسفة المكان في الشعر العربي Empty فلسفة المكان في الشعر العربي

    مُساهمة من طرف أمكنة 18/3/2011, 4:19 pm

    http://www.awu-dam.org/book/01/study01/314-H-M/ind-book01-sd001.htm
    المقدمــــة
    ارتبطت دراسة المكان بالتحليل الروائي أساسا، لكون المكان هو المجال الذي تجري فيه أحداث القصة. ولا بد للحدث من إطار يشمله، ويحدد أبعاده، ويكسبه من المعقولية ما يجعله حدثا قابلا للوقوع على هذه الصفة أو تلك. ولا بد للحدث أن يأخذ حجمه الحقيقي استنادا لسعة المجال أو ضيقه.كما أن المكان يعود على الحدث من جهة ثانية بالقيمة الاجتماعية التي ترتبط به، ويحمله من الشحنات العاطفية التي تصاحبه.‏
    لقد فطن النقد الحديث لمثل هذه العلاقات، وأسبغ عليها مسحة المؤثر الذي يعمل فيها عمله الخفي والمعلن. ولن يدعي التحليل الروائي فهمه السليم للنص إذا هو تجاهل، أو تجاوز النظر إلى المكان. لأن مثل هذا الصنيع يعد تحليلا منبتّ الصلة عن إطاره المادي والمعنوي. وكل ملامسة للمكان إنما هي ملامسة لشبكة العلاقات التي تربط الأشخاص بالمجال المعيشي ارتباط وجود، وانتماء، وهويّة. فالمسألة المكانية لا تقف عند حدود التأطير وحسب، وإنما تتعداها إلى مجالات أوسع، تضطلع بها الدراسات الإنسانية في مختلف اهتماماتها وحقولها.‏
    [size=12]وتتكشف معضلة المكان في شكلها المعقد، حينما يلامس التفسير والتأويل تخوما، يكون فيها المعنى أكثر ارتباطا بالمكان وإيحاءاته. وكأن المعنى لا يكتسب أبعاده القصوى إلاّ إذا استرفد المكان، واستخلص منه محمولاته الدلالية. فإذا اقتصر التأويل على المعطيات الفكرية، والاجتماعية، والنفسية..مثلا فإن صنيعه ذاك يظل ناقصا، مهما كانت درجة العمق والإجادة في خطابه. بل إننا نزعم الساعة أن التأويل الذي يكتفي بذلك النزر القليل من الفحص، تأويل ناقص. لا يمكن أن يصل إلى عمق النص أبدا، مادامت المعطيات نفسها لا تتأسس قاعدة علمية، إلاّ إذا أخذت حظها من الارتباط التشعّبي الذي يشدها إلى المكان.‏
    [size=12]إننا عندما نقلِّب مباحث الفلسفة، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والأنثروبولوجيا… نتأكد من الحضور الطاغي للمكان. بل قد نجد المقابلة التالية : الإنسان/ المكان في كل سطر نقرأه، وكأننا إزاء حقيقة أولية في كل فهم يروم النزول إلى أغوار الذات الإنسانية: شخصية، وفردا، ووجودا، وهوية، وفكرة.. وتلك حقيقة لم نجد لها في الدرس الأدبي إلاّ حضورا باهتا، أو كان حضورها في المناهج الاجتماعية حضورا تابعا لا متبوعا، خدمة لوجهة النظر المهيمنة أصلا على المنهج، وعلى النتائج المتوخاة من أدواته. والفرق بيّن في أن تكون "الموضوعة" متبوعة، تقيم اعتمادها على الوجود أولا، وفي أن تكون تابعة، تخدم هما منفصلا عنها.‏
    [size=12]لقد كان شأن التابعية عماد الدراسات التحليلية للرواية، يأتي فيها المكان عنصرا أخيرا، منفصلا أو متصلا بالزمان، يجز به في ثنايا البحث تكملة للتحليل الشمولي الذي يقيم صلبه على هذا التصور أو ذاك. أو هو قريب من التحلية التي تضاف في خاتمة البحث تحديثا له. بيد أننا لا ننكر ما في هذه التابعية من أفكار جديدة، طريفة، عميقة، جادة.. غير أن صفة التابعية فيها جعلتها تحتل الدرجة التي ليست لها. ذلك ما سوغ للباحثين اليوم إفراد المكان بالدراسة المستقلة التي توقف عليه اهتمامها الأولي، دون أن تهمل ما في الروافد المعرفية الأخرى من فائدة. بل ليس أمامها من حيلة سوى الاعتماد عليها، لأنها لن تقو بمفردها على حمل عبء المكان الذي يفوق طاقتها، في انتشاره على حقول المعرفة الإنسانية المتباعدة.‏
    [size=12]ولما كان الشعر العربي، شعر مكاني في ارتباطه بالبيئة التي أنتجته، والإنسان الذي أبدعه، كان لزاما على الدرس الأدبي أن يلتفت إلى المكان فيه، نظرة لا تحكمها التابعية، فتحصر هم المكان في بعض المظاهر الثانوية، أو تتخطاه لمجرد ذكره بعبارات اهترأت استعمالاتها، و خوت دلالتها،و صدأت جدتها. بل التنقيب في عمق العلاقات التي ينشئها المكان بينه وبين مختلف المعاني، والعادات القولية، والفعلية، والأخلاق، والسلوك. مادامت الغنائية في الشعر العربي إنما تتأسس على اهتمام فردي في المقام الأول، ثم تنفتح لعديد من العلاقات الأخرى.‏
    [size=12]وقد سعينا في بحثنا هذا إلى تقديم نموذج للقراءة المكانية، معتمدين على المكان في المقام الأول، جاعلين الاهتمامات الأخرى تابعة، خادمة، تأتي رافدة للمعاني التي يثيرها المكان في صميم المعمار الشعري كله.والقراءة على هذا النحو قراءة إشعاعية"Spectrale": أي أنها قراءة تتخذ المكان مركزا لمجموعة من الدوائر التي تنداح متباعدة عن المركز، فعل الحجر الذي يلقى به في الماء الساكن، فتنشأ عنه مجموعة من الدوائر التي تزداد اتساعا كلما ابتعدت عن المركز. والقراءة الإشعاعية تنطلق من المكان وتعود إليه، كلما استنفدت شعاعا من أشعتها. وكل شعاع إنما يمثل وجهة تسلكها القراءة لملامسة تخوم خاصة بها.‏
    [size=12]ومن حسنات القراءة الإشعاعية، أنها قراءة لا تستنكف الاستفادة من المعارف المختلفة، بل تجعل همها الأول في تلقيح رؤيتها بما تقدمه هذه المعارف، حتى وإن بدت للرائي أنها واهية الصلة بالمكان، أو أن اهتمامها به، يقع في مجال غير مجال الفن والأدب. والملف حقا في هذه الاستفادة، أنها كلما أوغلت في الحقول المعرفية البعيدة عن الأدب، كلما عادت بحمولات طريفة، تدخل على الأدب روحا جديدا، يبعث فيه من الحياة والجدة ما هو في حاجة إليه اليوم في خضم العلمنة الطاغية.كما أنها تعطي للدرس الأدبي من جهة ثانية صفة الشمول التي لا بد لدارس الأدب من الاضطلاع بها. لأنها من ضرورات الفهم الأدبي أساسا، والتي من شأنها أن تنسف الاعتقاد في جدوائية التخصص الضيق.‏
    [size=12]إن دارس الأدب قارئ في المقام الأول ! والقراءة تحتم عليه إقامة الفهم، وضبط نتائجه. والفهم يشترط في صاحبه السعة والشمول المعرفي. وقد تقاس القراءة الحقة بهذه السعة، لا فيما تحشد من معلومات في حصادها، بل فيما تتخير منها لتدعيم فهمها للنص. فقد يتطلب النص في هذه النقطة من الكم معرفي، ما لا يتطلبه في نقطة أخرى. وهذا التوزيع في مقادير المعرفة، هو الذي يعطي للقراءة فاعليتها، ويؤكد للقارئ عبقريته. إذ ليس العبرة في الحشد و الجمع، بل العبرة في التوزيع الذكي الذي يخدم المعنى، ويحقق للنص عطائيته المفيدة.‏
    [size=12]إن ممارسة القراءة الإشعاعية، ممارسة ممتعة. لأنها مشاركة، والمشاركة تدرج القارئ في العملية الإبداعية إدراجا مزدوجا: إدراج في صلب النص، فيكون القارئ جزءا من النص ذاته. وإدراج خارجي تكون فيه الذات القارئة هي غياب النص. ونقصد من الغياب في هذا الموطن، العمق غير المرئي من مجال النص، الذي تشكله حزم الدوائر التي تحدثنا عنها من قبل. فكل حزمة منها تشكل عمقا، أو كثافة نصية، لها من التوتر الإبداعي، ومن الشحنة العاطفية، ومن القصدية المعنوية، ومن السمة الأسلوبية، ومن الصياغة اللغوية ما يحددها أثرا جزئيا في التركيب الكلي للنص الإبداعي عامة. فإذا استطعنا تحديد الحزم النصية، وألحقنا بكل واحدة منها ما يناسبها من عناصر الإبداع ومقوماته، استطعنا في أثر رجعي تحديد سماكة النص الأدبي، ووضعنا الحضور إلى جانب الغياب لتأكيد وحدة الأثر الإبداعي جملة واحدة.‏
    [size=12]سيجد القارئ في هذه الأوراق، شكلا من أشكال القراءة الإشعاعية. نقدمه محاولة لإرساء هذا النمط من القراءة، آملين أن يجد عند الدارسين من القبول ما يدفعنا إلى المضي به إلى أقصى الحدود. والله من وراء القصد، وعليه المعول والتكلان. والحمد لله رب العالمين.‏
    [size=12]سيدي بلعباس‏
    [/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size]

      الوقت/التاريخ الآن هو 9/5/2024, 7:53 pm