أمكنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أمكنة

مجلة ثقافية تُعنى بأدبيات المكان


    المكانية في الفكر والفلسفة

    أمكنة
    أمكنة
    Admin


    عدد المساهمات : 285
    تاريخ التسجيل : 16/12/2010

    المكانية في الفكر والفلسفة Empty المكانية في الفكر والفلسفة

    مُساهمة من طرف أمكنة 17/3/2011, 2:19 pm

    المكانية في الفكر والنقد والفلسفة

    المكانية في الفكر والفلسفة 9
    [b]



    var addthis_config = {"data_track_clickback":true};



    * نصير عواد
    عن دار نينوى للدراسات والنشر صدر للكاتب زهير الجبوري كتاب (المكانية في الفكر والفلسفة والنقد) وجاء في 272 صفحة من الحجم المتوسط. مضمون الأسئلة الأربعة والخمسين التي وجهها الجبوري للناقد ياسين النصيّر والتي شكّلت مناخ الكتاب لم توصلنا إلى طمأنينة الأجوبة بعد أن فتحت بابا على أربعة عقود من الحراك والكتابة والمنفى عاشها الناقد ياسين النصّير سيد نفسه في المكان لا كاتبا مؤدلجا في المدينة، عدته في الرحلة حفنة مفردات، المكانية، الاستهلال، الصيانية-التدميرية، المساحة المختفية،،، أنتجت عشرات المقالات والدراسات والكتب ساعدتنا كقراء أن نطل على الفكر والفلسفة والنقد وحركة الشارع في العراق.
    في ثنايا الحوار يتلمس القارئ أن غياب الإرث النقدي بالعراق وقسوة الصراع وغياب الحوار والتسامح والتثاقف أدى إلى تشويه القيم وحصار الكثير من مناحي الحياة الثقافية من بينها النقد الحديث، الأمر الذي أدى إلى تخلف الأخير قياسا بالشعر والرسم والحياة الثقافية والسياسية للبلد. من جهة أخرى مشاكل التعليم الجامعي وغياب المؤسسات الثقافية ودور النشر لم يساعد الثقافة العراقية دخول مجال المنافسة مع صاحباتها من العواصم كبيروت والقاهرة ودمشق ويقول النصيّر(إن الجامعات المصرية كانت البيئة التي نشأت فيها بوادر النقد العراقي وهذا يفسر عدم ظهور أية دراسة ماجستير أو دكتوراة تتناول شعراء الحداثة من الأدباء العراقيين إلا في فترة الثمانينيات). ولذلك فأن النظرة المتوارثة عن ضعف الحركة النقدية بالعراق والتعامل مع الناقد العراقي على أنه كاتب نص على نص آخر، وأنه منشغل بالثقافة العربية وبالأسماء العالية الرنين أكثر من انشغاله بالتجربة المحلية، هذه النظرة لم تأت من فراغ ولها ما يبررها في الشارع، ونستطيع تلمسها في لجوء الأدباء العراقيين أنفسهم إلى الكتابة عن تجاربهم وفي اشتغال النقد على النص وليس على الظاهرة أو كما يقول النصّير (الدوران في فلك المقالة النقدية سببه غياب المشروع النقدي). ياسين النصيّر، أبن الثقافة العراقية، وهو الآخر اشتغل على النص لا التنظير للظاهرة حتم عليه، لغرض تجديد المقال النقدي، البحث عن خصوصيته هو وإنتاج أدواته ومفرداته كالمكانية والاستهلال والصيانية/التدميرية وغيرها، فمعالجة بنية النص وفق سياقاته البنائية التي تفرض شكلا متغيرا في كل نص تستدعي مصطلحات متحركة وليست ثابتة، مصطلحات ثقافية وجدت امتدادها عند النصيّر في التاريخ العربي الإسلامي والفلسفة الألمانية (هيغل،ماركس) وفي الصراعات الاجتماعية المحركة للتطور،الأمر الذي يفسر ارتباط الثقافة العراقية مبكرا بالحداثة السياسية والاجتماعية. فمصطلح الصيانية/التدميرية عند النصيّر ليس مرادفا للثابت والمتحول عند الشاعر والمفكر أدونيس (فهو ليس ثابت كليا أو متحول كليا، الحركة فيه تشمل الاثنين معا، يتحاوران ويتبادلان المواقع ويلغي أحدهما الآخر في حركة وصولا إلى نص جديد يحمل نوى التدميرية/الصيانية كي تستمر الحكاية بشكل ومفهوم جديدين). مصطلح الصيانية/التدميرية الذي يقوم على الحركة بين اللغة والكلام ترتكز أسسه عند النصيّر على مفاهيم هيغل في مبادئ الحق والروح المطلق في دائرة كونية من ثلاث مراحل(الإثبات والنفي، نفي النفي، الإثبات) لكن النصيّر أقترب أكثر من التحليل الماركسي من هذه المراحل بسبب تحويل ماركس هذه المفاهيم الفلسفية إلى مجال العمل والطبقات والصراع الاجتماعي.
    بعد توقفه عند المقالة النقدية التي بقيت مهيمنة على البنية التحتية للنقد العراقي تتبع النصيّر سيرة النقد العراقي الحديث بالأسماء وعناوين الكتب والدراسات والمقالات التي ظهرت في القرن العشرين، متوقفا عند علامات الاستفهام فيما يخص مرجعيته النقدية ونافيا تأثر مشروعه الثقافي عن المكانية بالظاهراتي غاستون باشلار في كتابه جماليات المكان أو(شعرية المكان) كما يسميه، ويرى (أن الاجتهادات المحلية حتى لو كانت نماذجها التطبيقية ضعيفة، قادرة على منحك رؤية نقدية أكثر صوابا من استعارة مفردات غير مؤسسة على الثقافة المحلية). لم يستطع مثقفونا التعامل مع موضوعة المكان بعيدا عن الآخر الأوربي على الرغم من حضور المكان في مشكلات العراق كمعطى خارجي احتضن الصراعات والحوادث المنضوية في بنية النص. إن تحول المكان إلى موضوعة نقدية ثقافية هي باختصار حكاية أربعة عقود من البحث والاستقصاء عند النصيّر، موضوعة شائكة وشيقة مفتوحة النهايات وجدت امتدادها عند جيل من المثقفين والأكاديميين. عدة النصيّر في فهم وقراءة المكان ساعدته في الاقتراب من مناطق بعيدة عن مجال تخصصه. فعلى الرغم من تصريحاته المتكررة من أنه ليس ناقدا تشكيليا إلا أنه يقرأ اللوحة عبر رؤيته لاشتغال المكان فيها، إي أنه يتعامل مع اللوحة أدبيا وهذا ليس نقدا تشكيليا حسب رأيه (ولا يشكل رؤية متكاملة بقدر ما هو ملامح نقد ليست قادرة على الدوام على استيعاب ما في اللوحة الحديثة وخصوصا تلك التي يرسمها فنانون عراقيون درسوا وكبروا بعيدا عن بيئتهم وكونهم الميثيولوجي القديم).
    إن المفاصل التي توقف عندها المحاور لا يمكنها العبور على المسرح كظاهرة مكانية لها أثر كبير في توجيه المجتمع على خشبته. تجربة النصيّر منذ البدايات ارتبطت بخشبة المسرح كمشاهد وناقد وشاهد على تطور المسرح العراقي في الربع الأخير من القرن الماضي، ويرى أن المسرح بحاجة دائمة إلى تهديم ما تعارف عليه من قوانين وممارسات سابقة تقيد حريته وتحد من انطلاقته وبناء منظومة معرفية جديدة تتلائم وسياق حياة القرن الجديد، فلم تعد القضايا المغلفة بالايدولوجيا مادة محببة للمسرحيين. المسرحة عند النصيّر (فعل يخرج بالجمهور من القاعة إلى المجتمع كما يخرج النص من الكلمات إلى الحركة ولا يكتفي بالركض خلف الأحداث والتجميع من كتب التراث والحياة الشعبية). والنصيّر يعتبر من مجددي المقال النقدي في مجال المسرح وكتابه(وجها لوجه) 1976 يعتبر من الكتب النقدية الأولى عن المسرح في العراق.
    بعض أسئلة الجبوري تناولت الكتابات الأخيرة للنصيّر والتي تبدو للوهلة الأولى خروجا عن نقده المرتبط بالجدل الماركسي وذلك في تناوله كتابات عن المكنسة والشارع والرصيف والستائر والجدار ووو. النصيّر بدوره عد ذلك الخروج (انفتاحا على النظريات الأخرى. اغناء الماركسية بمنهج أكثر التصاقا بالواقع. فتوليد صور جديدة بحاجة إلى مناهج تولد صورا جديدة عندما تعيد تشكيلها بصريا ولا يجوز الاكتفاء بالحفر والتعمق بمنهج واحد فقط) وفي كتابه عن شارع الرشيد نرى تجسيدا لأفكاره تلك حين يتحول الشارع من وثيقة إلى مكان مولد للنص، ويمكنه قراءة تاريخ بغداد الثقافي والسياسي والاقتصادي، شارع فيه طاقة خيالية ومادية كما يقول النصيّر على توليد الأمكنة والمدن الأخرى.
    الأسئلة العميقة التي وجهها الجبوري للنصيّر عن تجربته الطويلة تمخضت عن إجابات موسعة في السياسي والثقافي واليومي لكننا لا نستطيع التعامل معها كسيرة نقدية على الرغم من تناثر عناصر سيرية كثيرة ومهمة شكلت مناخ الكتاب قد يعود إليها المعني والمتتبع. فمن سوء طالع النصيّر أن الفلسفة التي تأثر بها في اشتغاله الثقافي كانت نظرية اليسار العراقي وأداته في الصراع الاجتماعي، وخروج النصيّر الدائم عن المركز الماركسي في الحياة والنقد بحثا عن التجديد وضعه موضع عداء من قبل الماركسيين المتحزبين الذين لا يرون في الماركسية أكثر من أداة صراع واقتصاد وثورات. فبين أن تحاور الفلسفة الماركسية وبين أن تؤمن بها تنتشر الكثير من مفردات التخوين والإلغاء والطعن التي أرقت النصيّر وأعاقته في أكثر من موضع. النصيّر وهو يحدد موقفه من الحرب أو الصراع لا يميل إلى تسمية الأفراد والأحزاب ويذهب بدلا عن ذلك إلى الوقوف عند ثنائية المسجد/القلعة واستعارة أحدهما خطاب الآخر وإلغاء أي خطاب آخر يناوئ تصاهر المسجد/القلعة. الثقافة لها سياقات ووظائف تجعلها في موقع المراقب والناقد لما يحدث في المجتمع وليس بالضرورة كاتب محضر للاجتماعات أو بوقا للأحزاب السياسية المسكونة بهاجس الدفاع عن نفسها. قبائلنا السياسية التي كانت وما زالت تتحكم بالواقع الثقافي لم تستطع، على الرغم من تاريخها ونضالها وتجربتها، احتمال خصوصية ونرجسية وموقف الإنسان، المثقف. ولن أزيد على ما قاله النصيّر(أنه رغم معاناتنا الكبيرة إلا أننا ما زلنا فقراء تجربة وحياة).

    *عن الحوار المتمدن
    [/b]

      الوقت/التاريخ الآن هو 18/5/2024, 8:22 pm