أمكنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أمكنة

مجلة ثقافية تُعنى بأدبيات المكان


2 مشترك

    صباح الخير يا عمّان» * أ.د. سلطان المعاني

    رائدة زقوت
    رائدة زقوت


    عدد المساهمات : 177
    تاريخ التسجيل : 17/12/2010

    صباح الخير يا عمّان» * أ.د. سلطان المعاني Empty صباح الخير يا عمّان» * أ.د. سلطان المعاني

    مُساهمة من طرف رائدة زقوت 15/3/2011, 2:10 pm

    تعلو عمّان عرش المدائن ، سيدة لأبجديات العشق والفرح ، ومكمنا للكبرياء العربي ، فهي نتاج ثورة أمتها ، وقد صارت ، الحمى ودارة الأشقاء والأحبة وتذكارات الآباء والأمهات ، وحكايات جداتنا على فطرتها وصدقها ورونقها. لقد تضوعت سيرتها على تعاقب أحقابها انسكاب عطر وشذى في صباحات الندى الأردني ، فحُضْن عمان الدافئ ضمَّ العموم ، إخوة وأقارباً وشعوباً وعباداً على رحابة المحبة مؤثرة على نفسها رغم الخصاصة وضيق ذات اليد. لقد عقدت عمان العزم أن تبقى المُغْتَرف والمُرْتَشف والهوى والحضور. ولقد كانت عبر الحقب والعصور سًرُّ الشرق ، فهي فيء المصطفى في حوضه وفضاء إسرائه ومعراجه. لقد كان سكانها الأوائل من العمونيين ذؤابة الشرق ، حاملو راية المعرفة بيرقا رفرافا ، ويفتح أبواب المجد: فعمان أو عمون ، أو ربة بني عمون ، أسماء حبيبة تشي بمعناها ومقصدها ففي دلالاتها أن عمان فيؤنا ، فنحن عمان ، وعمان نحن ، سكنتنا وسكنّاها "بسلام آمنين" فعمان خريطة الزمان وبوصلة العاشقين صوب نبع الهوى ، وكحل العيون ، وعذب الكلام. وهاهم أهلها اليوم وقد سكنوا الصدور ، فطابت بهم الأنفاس يانعة رياضها ، وملتهبة حماستها. والعمونيون بجوانحهم ، ضموا حميم الشوق لامتطاء مراكب البناء ، ونهج العلى فلا يوحشهم تكالبهم على البناء ، إلا بانقطاعهم عنه ، أصحاب رفعة مؤمنين بحق وطنهم عليهم ، مخلصين العزم والعزيمة ، لوطن العزم والعزيمة.

    ومن عمان مدينة الجبال ومًن علياء قلعتها نطل على فضاء الأماني وزركشات الخافق المطرزة بهدب العيون فارداً صفحته البهية فوق المدى يرفرف كما الطير يحلو في عيون العاشقين هناك في مدارات الصقور ينزرع النوار والدحنون والشهداء وتاريخ أجداد حمّلونا شرف التفيؤ في ظلال الخافق الشغوف للعلى والمنى وهو يطلق الصبح فوق عمان ، نبض حياة ، لغدْ يجمع العرب على وتين القلب والثورة الكبرى. قلعة عمان تسكن الجبل وذاكرة الوطن ، تحيط بها ملامح التاريخ ، ورائحة التربة في صباحات الندى وهي تتزنر بسور عالْ يشمخ حارسا لها ، ما تزال بعض مداميكة وبقايا الأبراج شاهدة على ضخامته في ركنه الشمالي وكأنها وشم حسناء طرزه الزمان فوق روابي عمان: مدينة الحلم والانجاز التي ما كلت وهي توقظ العزائم وتضئ الدرب للسائرين في ركب البناء الإنساني والحضاري منذ بواكير العصور البرونزية إلى حاضرنا الأجمل وغدنا المأمول عطاء ومنجزا بحجم الطموح والعطاء الذي أعلت عمان سقفه فوق سدف الغمام.

    أسموها فيلادلفيا ومدينة المرمر والعذارى والحظ ، ثم استحالت مدينة الألق والمعابد وقد أنبأ نقش عمو ندب أن الجرار والخوابي في عمون ملأى والأهراء يطفح من جنباتها القمح والحبوب والطحين ذللت المجهول وأقسمت أنها لن تخذل أصحابها ، وأن الله مدرك ناسها وأرضها بالخير والغمام والرجال. من علياء القلعة ومن ذلك المشهد الأكثر بهاء ، تقترب المسافات بين عمان الحداثة وعمان الأصالة وتتأنق نجوم السماء كل مساء لتلقى أرجوان الجمال الغارق في عماراتها وطرقاتها ويتنفس التاريخ بهاء وأنوارا تشعل القلعة والمدرج الروماني وسبيل الحوريات والجامع الحسيني فعلى ذاك الجبل يسرج التاريخ أعنة خيله ويمتطي صهوة القرون ليمضي في دروب الذكريات حيث تتهادى القبسات النورانية: الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية فوق جبال عمان وروابيها التي تتوضأ بالطهر وأزهار اللوز.

    إن منعطفات التاريخ البشري تذهب بالحياة نحو مسارات الرقي وأخرى نحو النكوص والتخلف ، وليس أعظم من الوقوف عند المنحنى الهائل والفذ في ارتقاء الفعل البشري من اقتناصه لحظة الإبداع في معرفة الزراعة وتدجين الحيوان ، وقد تاه قبل ذلك آلاف السنين صيادا وملتقطا تقوم حياته ومقدراتها على الصدفة وقوت اليوم ، وهو صراع مذهل مع المحيط ، وفرصة لحظية يومية نحو البقاء ، فردا ، أو جماعة. وقبل حوالي عشرة آلاف سنة من اليوم كان الشرق الأدنى القديم على موعد مع فجر جديد تعذب قبله البشر للحظة الوصول إليه ، وكانت لحظة الدهشة هذه قد استنزفت من البشر والوقت ما لا نستطيع الإحاطة به ، ولكن نشوتنا بمعرفة الأجداد في وادي نطوف زراعة القمح والشعير جعلتنا نقف عند تلك اللحظة مبهورين بذلك المنجز الذي أُتبع إيقاعه بتحولات على مناحي الحياة المختلفة دون استثناء ، كان أعلاها وأكثرها ألقاً ذلك الفعل المجلي في عين غزال. وقد مضى الفعل البشري في الأردن في تلك العصور تراكميا في حصيلته المعرفية إلى أن بدأت بوادر القرى الزراعية في العصر الحجري الحديث. وقد جاء انتشارها في مناطق امتدت على رقعة الجغرافية الأردنية في وقت متزامن مع قرى بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين. وقد مثلت مواقع تل أبو حامد وتليلات الغسول في غور الاردن ، وسحاب والمقص وتل وادي فينان في جنوب الاردن ، صدى المنجز الحضاري في أركان الوطن.. همة بهمة ذاك الفضاء الرحب في عين غزال.

    في عين غزال نتوق إلى دفاتر التاريخ وهي تحكي قصة الحضارة التي ما فترت همة صانعيها ، ولم تضق بعطائهم أركان المكان ، فلم تعصف ريحها بذاكرة الجمال موصدة بوجهها بابها ، فعمان حاضنة المكان والزمان والذاكرة ووعد لخصب الكلمات على صحائف المجد البيض متوناً ونصلا.

    إن الكهف وقصة أهله شهود على مبلغ الأمان والسكينة في مواجهة الخوف والطغيان في عمان على مر العصور ، فدقيانوس وخميس أصنامه قصة الظلام المقهور بنور الإيمان يظهره الله بعد قرون على الأرض الطافحة بقصص المجد والفخار والسلام ، فيا لكهف الرقيم ماذا رقمت في صفحة التاريخ وعلى وجه الزمان؟ "إنهم فتية آمنوا بربهم.." فرّوا إلى الله واقتربوا منه في أرض الرسالات والنور منذ عمر الإنسان الأرض.

    وعندما تتوه عن رشادها الكلمات ويكون الواقع والحدث ضربا من الأحجيات وتعلن كل التفاسير والحجج سذاجتها يكون كتاب الله سبيل الهداية فتغدو الحقيقة منجاتنا من حنق المستحيل ، هنا فوق الأرض التي لم تبرحها الأحلام والرؤى يصدق الوعد ويعظم الإحساس باليقين ، ولا تتعثر الخطى نحو الحقيقة صوب أبواب أشرعت ردهاتها للمؤمنين ، فيها لا تطيش سهامهم ولا يخيب رجاؤهم.

    ويغدو الكهف وقصته من شهود الزمان على السوسن البري الأسود وخرير السواقي وبراري الحلم الممتد أخضراً تغازله نجمات الصباح كل ليلة بانتظار الفجر فالكهف ليس كتلة من صمم وحجر إنه صفحة من صفحات سفر عظيم سيان أقلَّبته تًباعا أم تخيَّرت منه قبسات فإنه ينبئ عن هذي المنازل الطافحة بالأحلام والأسرار ، ويعكس مرايا الزمان الذي تنتشي وهي تفرد صفحاتها تلملم حكايا الناس والتراب ، وتقسم أن الشمس ما برحت تُسبل خيوط الرجاء ، تنسج الأيام على يقظة الأرض غاديةً مهد الحضارات ، وتعاقب الرسالات ، وموئل الآمال.

    إنها عمان درب العاشق المدنف ، ومحجة الروح ، مؤثرة ، ومستنهضة سواري أحفادها من الأردنيين الأباة ، وقد تحدّر على طرقات أبنائها لحن المحبة سفرا خالدا. فعمان تعملق حضاري فاق سواه ، وانفتاح آفاق الألق الثقافي يدفع إلى عمق الطرح في استحضار التعاقب والحركية والتواصل الذي عاشته مدينة الأسبله والمعابد والمسارح المشبعة بالتبتل والعابقة بالنجوى.

    مَنْ ترى أبقى طفولتها كدحنونة تهبط إليها على أنغام رعاتها ، وهم عند مسائها عُشاقها الحالمين.. وقد رقرق الدمع عيونهم الحرى بعمق جذورها وألفة ملامحها ، تاركة وراءها التاريخ.. وصانعة حاضرها.. بل تشتهيها مسلات الغد حية على أفقها تقصُّ الحكايا.. الولادة والبعث بين تكبيرات سحرها وغسقها.

    التاريخ : 17-02-2011
    أمكنة
    أمكنة
    Admin


    عدد المساهمات : 285
    تاريخ التسجيل : 16/12/2010

    صباح الخير يا عمّان» * أ.د. سلطان المعاني Empty رد: صباح الخير يا عمّان» * أ.د. سلطان المعاني

    مُساهمة من طرف أمكنة 16/3/2011, 1:23 pm

    شكرا عزيزتي على نقل هذا النص المكاني للاستاذ سلطان/ محبتي

      الوقت/التاريخ الآن هو 8/5/2024, 11:53 pm