أمكنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أمكنة

مجلة ثقافية تُعنى بأدبيات المكان


2 مشترك

    مقاربة ثقافية للنقوش القديمة في الأردن (5) * د. سلطان المعاني

    الدكتور سلطان المعاني
    الدكتور سلطان المعاني


    عدد المساهمات : 1
    تاريخ التسجيل : 24/04/2011

    مقاربة ثقافية للنقوش القديمة في الأردن (5) * د. سلطان المعاني Empty مقاربة ثقافية للنقوش القديمة في الأردن (5) * د. سلطان المعاني

    مُساهمة من طرف الدكتور سلطان المعاني 30/4/2011, 4:41 pm






    مقاربة ثقافية للنقوش القديمة في الأردن (5) * د. سلطان المعاني





    ..وتشكلُّ جغرافيا العرب الشماليين عاملاً فصلاً في تفسير ظاهرة الصراع، التي توردها نقوشهم وروداً لحوحاً. فلقد انبثت النقوش الصفوية فوق مناطق تباينت طبوغرافيتها؛ فكان من بينها المرتفعات، مثل منطقة جبل الدروز، التي تماس منطقة حوران جنوب شرق سوريا، ومرتفعات لبنان الشرقية، وقد جاء الغطاء النباتي فيهما شجرياً. ومن مناطقها الحرات، وأرض الحماد، التي تشكلت في السهول والأودية الضحلة، على امتدادها بين حوران شمالاً، ووادي السرحان في جزيرة العرب جنوباً. وقد تميزت هذه المواقع بتذبذب معدلات سقوط الأمطار، وقلتها، وبمناخ جاف شبه صحرواي، أثر على الغطاء النباتي، الذي جاء رعوياً، قصير العمر.

    ومع مطلع القرن الرابع الميلادي انسلخت دول عربية عن امتدادها الحضاري، والذي امتد مكانياً فوق أرض الجزيرة وبلاد الشام، فبعدما كانت حواضر، وكيانات سياسية مستقرة، تشكل حدودها عائقاً أمام التنقل العشوائي والجائر للقبائل العربية بين جنوب الجزيرة وشمالها، وبينها وبين بلاد الشام، أو العكس.

    وقد أسهم هذا الانهيار إلى توالد هجرات متعاقبة مستمرة من عرب الجنوب نحو عرب الشمال، عمِل على إذكاء الوقائع والحروب، ومن هذه القبائل الطارئة كندة، التي زحفت نحو الشمال في النصف الأول من القرن الرابع الميلادي.

    وإن المتتبع لأيام العرب، ولأشعارها التي تتحدث عن الفتوة والصعلكة، يجد فيها حديثاً مسهبا وواضحاً عن الفقر الطاحن، الذي شكَّل جزءاً مهما من حياتهم، وقد صوروا قساوته وكرههم له، فكان السطو والقتال نتيجة حتمية، فرضتها غريزة حب البقاء على أصحاب بيئة جافة قفر. انعكس هذا الأمر واقعاً ملموساً في النقوش الصفوية، ولو أنه النصوص التي ألمحت إليه قصيرة مقتضبة، كما اعتدنا.

    ولقد جاء التنقل الموسمي، في سبيل البحث عن سُبل العيش مُذكياً للصراع بين قبائل العرب من جهة، وبينهم معاً وبين شعوب ودول الجوار. ويتضح من خلال النقوش أن هذا المجتمع كان يصارع من أجل بقائه بقوة، فهو يغير على غيره تارة، ومضطرا لمواجهة تحديات البقاء، بالدفاع عن أنفسه ضد هجمات غيرهم تارة أخرى، وكان هذا من الأسباب التي شكلت المجتمع الصفوي البدوي أو شبه البدوي.

    إن المناخ المتطرف وعدم توفر الماء في فصل من فصول السنة بسبب الجفاف الفصلي أو الجفاف الدائم، من أسباب نشأة هذه المسلكيات التي وسمت مجتمع الصفويين، فالبداوة بهذه الصيغة تقوم في تحركاتها بشكل أو بآخر بنشاط اقتصادي، تستغل الموارد المتاحة، والتنقل، علاوة على ذلك، طريقة حياة، وبهذا يتناغم ويتكامل النظامان الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع الصفوي البدوي.

    لقد أبرزت النقوش الصفوية صعوبة الحياة البدوية وقسوتها وخشونتها، فالأرض صحراوية ما يصلح منها للزراعة قليلة جدا، ومطرها شحيح متقطع، يفرض على الإنسان، العَطِش والجائع والفقير، التنقل من مكان الى آخر طلبا للكلأ والماء. ولا شك فان الصفوي بهذا قد واجه العراك والصراع مع البيئة للحصول على أساسيات حياته، وقد فرض ذلك عليه العيش حياة كر وفر، فهو يغير على المضارب طالبا للرزق على حساب غيره، حتى لا يهلك جوعا، وتارة أخرى ينافح دون أرضة وكرامته، مقاوما هجمات القبائل الصفوية الأخرى أو هجمات الثموديين والأنباط، ولا عجب أن تقتحم أراضيهم أقوام وافدة كالروم والفرس، فالظروف الطبيعية والحياتية القاسية، جعلت من العرب ومنهم الصفويين متنافرين متناحرين، فكانوا لقمة مستساغة لغيرهم.

    والرعي سمة البداوة، والتنقل ديدن البدوي، وهو إذ يقوم بذلك يمارس نشاطا اقتصاديا، يستغل فيه الموارد المتاحة في البادية، من الماء والكلأ، وقد نشد الصفوي الأماكن الخصبة، فبحث عن أماكن مثل: /هـ أ ب ب ي/ «المرعى الصغير» ، و /ت ل ع ت/ «مكان الماء، سواء ذلك المكان المرتفع الذي يسيل ماؤه إلى ما دونه، أو الوادي الذي يصب في واد أكبر منه»، أو /ح س ي/ «مناطق الماء، وهو الماء القريب من سطح الأرض يحفر عنه ويستخرج. ومن الحيوانات التي قام الصفوي برعايتها الضأن والماعز، وغالبا ما رعى الصفوي

    ما يملكه من المواشي بنفسه أحيانا: ... و ر ع ي هـ م ع ز ي ل ن ف س هـ .... وإضافة إلى الإبل والضأن رعى الصفوي البقر، والخيل، الإتان ، والدواب: هـ ق ن و ت.

    ولم يعرف العربي منذ القدم أحب إليه من الأنعام، وقد رسخ القرآن الكريم هذه القيمة عند العرب في قوله تعالى: «والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون، وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم ، والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون» (القرآن الكريم).

    ومارس العربي الصيد والطراد وتعددت أسبابه، وكان وردها في بعض النقوش يشير إلى أسلوب ترزق:

    ل ا ن ي ب ن ج ي ز و ح ل ل ل ص د ف هـ ر ض و روح هـ س ن ت ، «لآني بن جياز، ونزل المكان ليصيد، فيا رضا اعط الرزق هذه السنة»، فالصيد وسيلة للمعيشة حيث يتضرع اّني للاله رضى ليرزقه الصيد .

    ويتكرر مشهد الصيد لكسب الرزق في النقش التالي: ل ن س ك ... ي ن ع ر هـ ص د ع ي ع ف هـ ر ض و هـ ط ف ط ع م ت م ن ص د ، «لناسك ... يذهب للصيد المرتجى يا رضى ألم واعط الطعام من الصيد».

    ويطعم الصفوي صيده لضيوفه أيضا: ل م و د و هـ ر ض و ف ل ط ت م ب ا س و ط ع م ت م ن ص د ل ف ر ك ب ن ك ت ن هـ... واطعم من الصيد لفريك بن لتنه.

    ويصطاد الصفوي السمك أيضا، ولعله يصطاده من مسيل الأودية الينابيع الدائمة، وقد كان صيد سعد القمري سمكا كبيرا جففه قوتا لدية: ل س ع د ... ذ ا ل ق م ر و ص ي د ح ت و ق ث ث ل ا ك ل و (ق) ت هـ ، وترجمته: «لسعد ... من قبيلة قمر، واصطاد السمك الكبير وجففه للأكل ولقوته»، ولعل مفردة ق ت هـ في النقش توحي باقتصاديات جمع القوت، أو اقتصاد الوفرة، إذ يحفظ الصفوي ما يفيض عن قوت يومه إلى وقت الحاجة، ولعل بعض صيده يبقى دون ذبح لوقت الحاجة، وهو ما قد ينبيء عنه النقش التالي: ل ن س ك ب ن ب ر ز م ي ن ع ر هـ ص د، وترجمته: «لناسك بن برزم، ويذبح الصيد»، فصيده كان حيا، حتى حان وقت الحاجة إلى ذبحه!

    وقد اعتبرالعرب الخيل رمزا لفروسيتهم، استخدموها في مناحي متعددة، منها عمليات الصيد، وقد ارتبط العربي بفرسه رباطا وشيجا، لأنه من أسباب قوته. ويعتقد أن استخدام الخيل في الصيد عند العرب يعود الى القرن العاشر قبل الميلاد، أما ذكرها في النقوش الصفوية فكان بتسميات منها: الخيل: ل خ ط س ت... هـ خ ل ...، والفرس: /ل ع ب د ج د... هـ ف ر س/ ، والمهر: /ل ح ش ش... هـ م (هـ) ر/.

    وقد ظهر الخيل من خلال الرسومات بأوضاع مختلفة، توحي بطبيعة التعامل معها وبدورها الوظيفي، ومن بينها خيل الصيد.

    كان من الحيوانات التي اصطادها الصفوي في سبيل الترزق والطعام: الثور:/ل ح ر س... هـ ث ر/ « لحارس... الثور»، ويرافق نقش WH 3657b رسم لثور يعود الى شخص يدعى الأوس. والحمار الوحشي: ومن أسمائه: جدد / ل م ع د ا ل خ د ر س ن ت هـ غ ث و ص ي د هـ ج د د/ « لمعد ايل أقام (في المكان) سنة الغيث، واصطاد حمارا وحشيا». والعير /ل ظ ن ن... ر ع (ي) هـ ع ر/ «لظانن ... ورعى (بمعنى راقب من أجل الصيد؟) الحمر الوحشية». والفرأ /ل ص هـ ب ت... و ت ظ ر هـ ف ر أ/، «لصهبة... وانتظر الحمر البرية». والنوص /... أ ح ر ب... هـ ن ص/ «...لأحرب... الحمار البري»، ومن صيده الغزال، وجاء بأسماء عدَّة، هي: الرئم: /ل (د) أ ي ت... و و أ ص ر ي ي م .../ «لدأية... وضرب الرئم...». والظبية: /ل ز ب د ي... هـ ظ ب ي ت ن/ « لزبدي... الظبيتان». والدصي: /ل ج ن...هـ د ص ي/ « لجون... الغزال»، والكلمة في السريانية ديصا. ومما ورد ذكره في صيد العرب الوعل: /هـ س ن ت و ع ل .../ «السنة (اصطاد) وعلا...».

    وعرف الصفوي صيد الطيور: وكان مما استفاد من لحمه في الصيد: البط: /ل ب غ ي ض ب ن ل ط ف ب ط/ « لبغيض بن لطيف البط» ، والحجل: /ل ش د د ... و ش و ا ح ج ل ن/ « لشداد... وشوى حجلتين»، والنعام: /ل ب أ د د ... و هـ ن ع م ت هـ ن ص ب ر ب/ «لبدأد... أمتلك النصب والنعامة».

    التاريخ : 01-05-2011
    رائدة زقوت
    رائدة زقوت


    عدد المساهمات : 177
    تاريخ التسجيل : 17/12/2010

    مقاربة ثقافية للنقوش القديمة في الأردن (5) * د. سلطان المعاني Empty رد: مقاربة ثقافية للنقوش القديمة في الأردن (5) * د. سلطان المعاني

    مُساهمة من طرف رائدة زقوت 1/5/2011, 2:52 am

    موضوع رائع لا يقل عن كل ما تتحفنا به من دراسات عن المكان بعين متخصص بالحضارات
    شكرا لك دكتور سلطان

      الوقت/التاريخ الآن هو 9/5/2024, 3:12 pm