أمكنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أمكنة

مجلة ثقافية تُعنى بأدبيات المكان


+2
ماماس
جلال برجس
6 مشترك

    الغَجَرْ...مكانهم الريح ولغتهم كلام الرحيل

    جلال برجس
    جلال برجس


    عدد المساهمات : 27
    تاريخ التسجيل : 17/12/2010
    العمر : 53
    الموقع : www.jbarjes.malware-site.www

    الغَجَرْ...مكانهم الريح ولغتهم كلام الرحيل Empty الغَجَرْ...مكانهم الريح ولغتهم كلام الرحيل

    مُساهمة من طرف جلال برجس 17/12/2010, 6:20 am

    الغَجَرْ
    مكانهم الريح ولغتهم كلام الرحيل
    * جلال برجس

    حين تشرق شموس الغجر,
    يعقدون العزم على رحيل جديد
    يحملون متاعهم البسيط:
    كرة زجاجية, وبعض الحطب, وأغنيات للحب
    والسفر
    يرحلون إلى مدارات شموسهم المتقدة، خلف عيون بلون الشتاء
    يتبعون النوْر موشحين بألوان الطيف
    تتساقط أمطارهم على بقعة أرض صغيرة، ضمّت جسداً سقط في ليلة صيف بعيد,
    لتنبت من دمائه باقة من شقائق النعمان
    "فيديريكو غارسيا لوركا"

    "الغجرية "مايا"

    من وراء زجاج بوابة المقهى الذي كانت حبات المطر الغزيرة تسحّ على جسده، كأسفار مقدسة، رأيتها، للمرة الأولى. كانت تتقاطر ماءً وتسيل حزناً. وكنت في تلك اللحظة أكتب أشياء عن شؤون القلب ولذعات الحنين، حين طويْت الورقة وأقفلت باب مخيلتي. لا أدري كيف استطعتُ أن أميّز خيط الدمع على خدها من خيط ماء الشتاء، بينما في البال عازف (فلوت) يضع للمشهد إنسياباً موسيقياً غارساً في حزن شفيف. ثوبها الذي استعار كل الألوان، راح يلمع تحت ضوء انبعث من ردهة المقهى، يلمع بفعل المطر الذي أغرقه بجنونه المعتاد. ثمة ارتعاشة كانت تتبدى لي من جسدها، ثمة اصطكاكة لأسنانها كانت تجيء لمرآي من وراء الزجاج. انكسار ما لاح في عينها اللتين كان الدمع والمطر يتجاذبانها. إنها الغجرية "مايا" ابنة العشرين من العمر.
    اشتد هَطل المطر حين خرجتُ إليها، وقد دعوتها للداخل ثم جلسنا. أعطيتها بضعة مناديل ورقية ، وراحت تجفف وجهها الذي لوحته عواقب الرحيل، وتسرد لي حكايتها. منذ ذلك اليوم صارت الغجرية "مايا" صديقتي، تأتي للمقهى، أمدّ لها يديْ، تمسكها تبسط كفيْ، تمعن النظر بتلك الخطوط التي تتقاطع هناك في باطن اليد، ثم تلتفت إلى الشارع عبر زجاج بوابة المقهى العريض، وتقول " قلبك راية على جبل يعقد صداقة مع الريح" فتنتابني قشعريرة أطردها بسيجارة ورشفة قهوة، ثم تمضي مايا، بعد حديث طويل وهي تترك ،على طاولتي كل يوم سرّاً من أسرار الغجر. أغيب، وتغيب " مايا" شهوراً ثم تعود، تحدثني عن الرحيل، عن المسافات، عن الشموس، عن الأمطار، عن الغناء، عن الرقص، ومايا امرأة جميلة في وجهها مسحة عذوبة لا تقوى عليها الشموس، رغم آثارها التي تخلفها عادة على أبناء العراء. ومايا كلما رأتني تقرأ عليّ ما كتبتُ ذات يوم عن مايا:


    " حينما تَعْبرُ بابَ المقهى
    يجيء مع الريحِ رثمٌ أسمه مايا
    يمْسح القلبَ بزنجبيل المسافاتِ
    ويوَظّب
    بطقوسِ الرحيلِ، مَخْدَع الذكرى
    قبالتي وأنا غارق في نثار القصيدة،
    كشمسٍ بلا غيومٍ
    تجلس مايا
    تفْرد كفّيْ ككتاب من كلامْ
    تمْعنُ في اشتباك الخطوط
    تنظر للمدى والشوارع، عبر زجاج المكانِ
    ثم تهْمسُ:
    قلبك راية على جبلٍ، يعْقد صداقة أزلية مع الريحِِْ
    أذوي قليلاً
    فيطالني وترُ الرعاشِ
    تمسك بانتباهها الغجري ريشتها
    وتعْزف على وتر القلب
    رثماً عنوانه الريح
    وأسمه مايا "


    الغجر: حكاية لا تنتهي

    مكان الغجري، ليس شوارعاً ولا بيوتاً. مكان الغجري، ليس قرى، ليس مدناً. مكان الغجري، ليس جبالاً ولا وهاداً، ولا انهاراً، ولا أشجاراً. مكان الغجري الريح، في تنقلها، في حلّها وترحالها، في تطوافها الأزلي في جسد المجرّة، والريح صديقة القلب الذي لا يتنفس إلا شبق الانعتاق، الانعتاق فكرة غجرية، والغجرية تماماً مثل المطر، حينما ينقر بأصابعه على غشاء القلب، أصل الانعتاق.
    منذ الطفولة، وأنا أراهم بتفردهم، بغرابتهم، بعذوبتهم، بانسجامهم مع ذواتهم، يرحلون ويحلّون.
    منذ أن بدأت أعي إيقاع الزمن على دف القلب، وشكل الوقت على زجاج المدى، وأنا أراهم يحْملون مكانهم على ظهر نايٍ، بحجم الانعتاق، وناياتهم عتيقة تحنانها الأزلية. يشيلونه على كتف دفٍّ، يعْرف جدوى رقصة القلب المشيّع للريح، ودفوفهم جلد الشتات الذي أينع في حقول الرحيل وردَ الغناء. له الألوان كلها. مكان الغجري، له الألوان على هيئتها الأولى، إذ يصير " بانوراما" حدودها اللانهائي من المسافات، وهويته كونية. الغجري يحزم مكانه ويشيله وقت الرحيل، تماماً مثلما يشيل أمتعته. لا مُستقر له ولا سكون. هويته المجرة، لونه الألوان كلها، لغته كلام الرحيل.
    من بعيد لاح لي مخيمهم، كتلويحة استعارت الألوان كلها، وقد انتشرت خيامهم كحكاية لا تنتهي، صباحاتهم واضحة كالشموس، خيوط دخان النويرات يصعد من بطن الهضبة التي حلّوا بها، كآهة مارد بحجم رحيلهم، صياح ديوكهم، تلويحات صباحية بشهقة الوقت على كتف الريح، نباح كلابهم، إشارات على ضجيج الصبية ولهوهم، صوت مطارقهم، دلائل على صحو الكير ومعادنهم المطواعة، بغالهم شواهد الرحيل، ألوان ملابسهم، بطاقات انتمائهم لقامة المجرّة. من بعيد يلوح مخيم الغجر لي، كفكرة متطرفة عن الحرية. صعدت الشمس إلى إبط السماء، النساء رحن يترك الخيام كل إلى جهة، بينما الرجال هناك في الخيام، يحاورون المعدن بالمطرقة والنار، يسوسون الخيل، يحذونها لمن أراد، يبتكرون أشكالاُ للخناجر. عند الغروب تعود النسوة إلى الخيام، تهجع الشمس، ويدهن الليل معالم المكان بالأسود، تنطلق ألسنة النويرات في الخيام ومن أمامها، وما هي إلا لحظات حتى يتسلل الدفُّ من مخبئه باتجاه أنامل من يهوى الضرب على جلده، وبقامته الرشيقة ينتصب الناي بين أصابع العازف، بينما يصير البُزق كخصر أنثى من بيات، وهو يرشّ في المكان ماء الموسيقى، فيعلو الغناء، دافئاً، يعبث بنياط القلب، تشيله نسمة الهواء كريشة في الريح، وتدب رغبة الرقص في الأجساد الرشيقة، فيرقصن النساء، ويصبح الغناء هدية في تلك الليلة للمساء الغجري الذي لاتحدّه سوى حدود الانعتاق. بينما الريح تردد فحوى الكلام:

    " لنا الغيم
    يسْرج فرسَ الريح، ويذهب باتجاه الرحيلْ
    لهذا يعرف الماعز الجبلي طعم الغيمة
    وقت السَّفرْ
    لنا الشموس
    مصابيحاْ كونية تنهمي في القلب
    فتوْرق الشرايينُ
    ورْداً وناراْ
    لنا النايات
    قصائداً من رتوش القلب
    تعْرفها المجرَّة
    يوزّعها على أصص المساءات، القم
    ر


    jalalghlelat@yahoo.comالغَجَرْ...مكانهم الريح ولغتهم كلام الرحيل 85%D9%86%D8%B3%D8%A7%D8%A1%20%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%AC%D8%B1
    ماماس
    ماماس


    عدد المساهمات : 34
    تاريخ التسجيل : 18/12/2010

    الغَجَرْ...مكانهم الريح ولغتهم كلام الرحيل Empty تحياتي جلال

    مُساهمة من طرف ماماس 18/12/2010, 4:58 am

    تحياتي عزيزي
    أولا ألف مبروك للمنتدى والأجمل أنه نقلة نوعية في اختيار الموضوع
    أتمنى لك وللجميع كل التوفيق والفكرة رائعة جدا فكلنا يحمل المكان بداخله وهي فعلا فرصة لتمتزج الأمكنة عبر تجربة المبدعين

    محبتي

    lol!
    أمكنة
    أمكنة
    Admin


    عدد المساهمات : 285
    تاريخ التسجيل : 16/12/2010

    الغَجَرْ...مكانهم الريح ولغتهم كلام الرحيل Empty رد: الغَجَرْ...مكانهم الريح ولغتهم كلام الرحيل

    مُساهمة من طرف أمكنة 18/12/2010, 9:58 am

    الصديقة المبدعة مماس، لأثرك هنا عبق الأمكنة الاصيلة/محبتي
    ناصر قواسمي
    ناصر قواسمي


    عدد المساهمات : 88
    تاريخ التسجيل : 18/12/2010

    الغَجَرْ...مكانهم الريح ولغتهم كلام الرحيل Empty رد: الغَجَرْ...مكانهم الريح ولغتهم كلام الرحيل

    مُساهمة من طرف ناصر قواسمي 18/12/2010, 11:58 am

    أخي وصديقي جلال برجس // بداية أبارك لك هذا الإنجاز وإنه لشرف لي أن أكون هنا
    فأكون قريبآ من حرفك ونصّك المضيء
    ويسعدني جدآ أن أقترب خطوة من الحرف الذي لطالما شدّني سِحره ومضى بي الى عوالم أخرى //
    كل المحبّة يا صديقي والتهنئة
    avatar
    مهدي الحراحشه


    عدد المساهمات : 1
    تاريخ التسجيل : 18/12/2010

    الغَجَرْ...مكانهم الريح ولغتهم كلام الرحيل Empty رد: الغَجَرْ...مكانهم الريح ولغتهم كلام الرحيل

    مُساهمة من طرف مهدي الحراحشه 18/12/2010, 12:19 pm

    مبارك اخي العزيز جلال هذه الشرفه المطله على الامكنه بانواعها...بنصوصك التى تغمرنا بسحرها..بالتوفيق ان شاء الله.
    جلال برجس
    جلال برجس


    عدد المساهمات : 27
    تاريخ التسجيل : 17/12/2010
    العمر : 53
    الموقع : www.jbarjes.malware-site.www

    الغَجَرْ...مكانهم الريح ولغتهم كلام الرحيل Empty رد: الغَجَرْ...مكانهم الريح ولغتهم كلام الرحيل

    مُساهمة من طرف جلال برجس 18/12/2010, 12:44 pm

    شكراً لك صديقي الشاعر مهدي حراشة على انضمامك لهذه الشرفة/محبتي
    سمر شديفات
    سمر شديفات


    عدد المساهمات : 36
    تاريخ التسجيل : 18/12/2010
    العمر : 45

    الغَجَرْ...مكانهم الريح ولغتهم كلام الرحيل Empty رد: الغَجَرْ...مكانهم الريح ولغتهم كلام الرحيل

    مُساهمة من طرف سمر شديفات 24/12/2010, 5:05 am

    بداية أبارك لك استاذ جلال هذا الموقع الذي يتفرد بالاهتمام بالمكان. اتابع ماتكتبه عن المكان اسبوعيا في الدستور وهذا النص من أروع النصوص بحيث انك اضئت لنا عبر لغتك الجميلة عوالم الغجر تحية لك

      الوقت/التاريخ الآن هو 20/5/2024, 11:46 am